موقع الدكتور فلاح خلف الربيعي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
و أهلا وسهلا بكم

د.فلاح خلف الربيعي

صورتي
كلية الادارة والاقتصاد / قسم الاقتصاد / الجامعة المستنصرية

الجمعة، فبراير 29، 2008

القطاع الخاص في العراق من المضاربة والمقامرة الى الاستثمار النموذجي

د.فلاح خلف الربيعي
ألحقت ظروف الحروب والحصار الاقتصادي التي مرت على العراق خلال العقدين الماضيين تشويها فادحا بشخصية القطاع الخاص العراقي، عندما كرست سلوك المضاربة والمقامرة لدى معظم العاملين في هذا القطاع،الذين تخلوا تدريجيا عن شخصية المستثمر النموذجي للاستفادة من ظروف الحروب والتضخم والأزمات الاقتصادية، ومن الطبيعي أن ينعكس هذا التوجه بشكل تدهور كبير في مستويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.وعليه فأن هذه الشخصية تواجه اليوم امتحانا عسيرا، فهي بحاجة الى أن تثبت كفاءتها و نزاهتها وامتلاكها للموارد والإمكانيات والمؤهلات الكفيلة بنجاحها في قيادة عملية التنمية والتحول الاقتصادي في العراق، فقد أصبح من غير المنطقي وغير المقبول أن تستمر بنفس سلوكها السابق.وتسعى هذه المقالة الى توضيح الفروق بين المفاهيم الثلاثة للمساهمة في تعميق الثقافة الاستثمارية .
ينظر الى الاستثمار التنموي على أنه عملية اقتصادية تقوم على أسس وقواعد علمية وعقلانية في مقدمتها دراسات الجدوى التي تعمل على توجيه الأصول بمختلف أشكالها نحو النشاطات الاقتصادية الكفيلة بتحقيق العوائد الاقتصادية أو الاجتماعية أو التكنولوجية في المستقبل، فضلا عن دورها في تحقيق تدفقات مستمرة ومستقرة، في ظروف تتسم بالأمان والشفافية وبقدر مقبول من المخاطرة.و يتطلب الاستثمار التنموي وجود التزام بالمحددات التشريعية وبالقيود التكنيكية والشروط الاقتصادية ، وهذا الالتزام هو ما يميز المستثمر النموذجي عن المضارب و المقامر.
أما المضاربة فهي عملية تقوم على تصعيد أسعار الأصول موضوع المضاربة، بصرف النظر عن قيمتها الحقيقية، والعنصر الجوهري في المضاربة هو المخاطرة بالشراء (أو البيع) في الوقت الحاضر على أمل البيع (أو الشراء) في المستقبل القريب، للاستفادة من فروقات الأسعار.والمضارب شخص لا يراعي العلاقة بين العوائد والمخاطر التي يهتم بها المستثمر النموذجي عادة ويركز فقط على وسائل تحقيق المنافع السريعة الناجمة عن فروقات الأسعار في عمليات بيع وشراء الأصول ،معتمدا على قدراته الخاصة في المناورة والحدس وتوقع الأسعار واحتكاكه المباشر بالأسواق و على المعلومات التي يحصل عليها من محللين متخصصين أو أفراد يشغلون مواقع مهمة في الدولة أو قريبة من مراكز صنع القرار الاستثماري،ولكي لا يخيب ظن المضارب بالأسعار، فانه يستخدم وسائل عديدة لتحقيق توقعاته،في مقدمتها نشر الإشاعات أو الصفقات الوهمية، أو خلق التكتلات التي تضم كبار المضاربين للتلاعب بالأسعار أو التأثير عليها،واصطياد صغار المتعاملين،الذين يتصرفون عادة وفقا سلوك القطيع ، فينجذبون نحو المضاربة ظنا منهم أن السوق في بداية صعودها بينما هي في مرحلة التصريف لدى كبار المضاربين، وهنا يجد الصغار أن ما تم شراءه من أصول قد وصلهم بأعلى الأسعار وليس هناك من يدفع أعلى من ذلك ويقدم على الشراء، فيبدءون بالتخلص من أصولهم بأسعار منخفضة خوفا من تعاظم الخسارة فيعيد ا المضاربين الكبار شراء تلك الأصول وبهذا يدخل المضارب مرحلة مقامرة .و كلما ابتعد المضارب عن المستثمر النموذجي فأنه يميل ليكون مقامرا (gambler) متعاملا بالصفقات السريعة والمراهنات الخطيرة على العوائد والأصول،و يمكن أن نميز باختصار بين المستثمر النموذجي والمضارب والمقامر بالنقاط الآتية :-
1-يركز المستثمر النموذجي على الاستثمار طويل الأجل ويفضل الاستقرار في عمله بدلا من الدخول في متاهات التقلبات، كما يتميز بالصبر والتحمل ودراسة كافة الجوانب مسبقا، في حين يركز المضارب على الأجل المتوسط والقصير لأنه يهتم فقط بفروقات الأسعار ووسائل تحقيق المنافع السريعة الناجمة الأخرى للاستثمار .وفيما يخص المقامر فأنه يركز على أقصر الآجال وعلى الفرص الآنية ولا يهتم سوى بالمنافع السريعة بصرف النظر عن المخاطر المحتملة .
2- يبحث المستمر النموذجي عن العوائد ذات التدفقات المستمرة والمنتظمة والمستقرة أما المضارب والمقامر فكلاهما وبدرجات مختلفة يبحثان عن الإرباح التي يمكن تحقيقها عن فروقات الأسعار، وبالتالي فهم مستعدان وبدرجات مختلفة للتضحية بممتلكات يمكن أن تحقق لهما عوائد منتظمة عندما يكتشفان وجود فروق كبيرة في الأسعار عند بيع تلك الممتلكات.
3- يراعي المستثمر النموذجي العلاقة بين العوائد والمخاطر أما المضارب فيميل الى المخاطرة بأصوله عندما تحقق له عوائد مرتفعة نسبيا ، ويكون المقامر أكثر شراسة فهو يميل نحو النشاطات التي تتميز بأعلى درجات المخاطرة ، طمعا في الوصول الى أقصى العوائد وبصرف النظر عن التضحيات الخاصة والاجتماعية ، لذا غالبا ما تتميز نشاطات بطابعها غير الشرعي و قد تأخذ في بعض الحالات طابعا إجراميا .
4- يحتفظ المستثمر النموذجي بقدر معقول من السيولة النقدية لمواجهة التزاماته المالية وسداد الديون، أما المضارب فيحتفظ بنسبة عالية من السيولة النقدية وبنسبة ضئيلة من الأصول المالية غير النقدية و الحقيقية ، و ينصب اهتمام المقامر على السيولة النقدية و لأجلها يضحي بكل أصوله الأخرى .
6- يحرص المستثمر النموذجي على الالتزام بالقوانين والأنظمة والتعليمات وممارسة نشاطه في مناخ نظامي، أما المضارب فيسعى باستمرار الى الالتفاف على القوانين والأنظمة والتعليمات محاولا تجنب العقوبات والإضرار المالية،و لا يكترث المقامر بالتشريعات ولا يبذل أية جهود ليجنب نفسه النتائج السلبية المترتبة على تصرفاته غير المشروعة .
7- يفضل المستثمر النموذجي ممارسة نشاطه في مناخ يتسم بالشفافية والوضوح يتم فيه تبادل المعلومات في تنافس حر وكفؤ ، أما المضارب ومن ثم المقامر بدرجة اشد فيعتمد على الشائعات والحدس السيكولوجية السوقية
وهذا ما يدفعه الى اللجوء الى أساليب التحايل والخداع والالتواء
8- يهتم المستثمر النموذجي بسمعته الشخصية وسمعة مؤسسته، وغالبا ما يضحي بجزء من عوائده لحماية البيئة وصحة العامين وللمساهمة في النشاطات الثقافية والاجتماعية ، أما المضارب فأن عدم استقراره في نشاط استثماري معين يدفعه الى عدم الاهتمام بسمعته الشخصية وسمعة مؤسسته ويكون هذا الوضع أسوء في حالة المقامر، الذي غالبا ما تقود تصرفاته الى إلحاق الضرر بسمعته وسمعة مؤسسته .
بناءا كل ما سبق فأن السياسات الاقتصادية الجديدة توفر فرصة حقيقية أمام القطاع الخاص العراقي للعودة الى طريق الاستثمار النموذجي والتخلي عن الممارسات غير الرشيدة في عمليات توظيف الأموال وبخاصة عمليات المضاربة والمقامرة .

ليست هناك تعليقات: