موقع الدكتور فلاح خلف الربيعي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
و أهلا وسهلا بكم

د.فلاح خلف الربيعي

صورتي
كلية الادارة والاقتصاد / قسم الاقتصاد / الجامعة المستنصرية

الجمعة، فبراير 29، 2008

حاجة العراق الى تطبيق نظام السوق الاجتماعي

د.فلاح خلف الربيعي
تهدف ستراتيجية التنمية الوطنية في العراق خلال الأمد البعيد إلى إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني على أساس آليات السوق على أن يتولى القطاع الخاص القيادة في تحقيق هذا الهدف.
غير أن تجربة السنوات القليلة الماضية قد أثبتت أن الاقتصاد العراقي يفتقر إلى الشروط الموضوعية الضرورية لتحقيق هذا الهدف ، نتيجة لدمار البنية الإنتاجية ، وخراب البنية التحتية، واستمرار تدهور الوضع الأمني والحاجة الى تدفقات مالية هائلة لإعادة الأعمار والتنمية ، وغياب الشروط الموضوعية لتحقيق حالة المنافسة الكاملة. والتفاوت الكبير بين إمكانات القطاعين العام والخاص، وغياب التوزيع العادل للدخل والثروة وعدم نضوج البنى الاقتصادية والاجتماعية وضآلة حجم القوى العاملة ، وضعف تنظيماتها النقابية .
أن هذه الظروف جعلت الدعوة الى التعجيل بعمليات الخصخصة وترك قوى السوق تعمل لوحدها تبدو دعوة غير موضوعية وغير عادلة .
فتخلي الدولة عن المساهمة في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية الأساسية وبخاصة الأنشطة الخدمية ذات الصلة المباشرة بحياة المواطنين، سيفضي الى احتكار هذه الأنشطة من قبل القطاع الخاص المحلي والأجنبي،و يمهد لخلق المزيد من الفوضى والتقلبات الاقتصادية وارتفاع معدلات التضخم والبطالة وتراجع النمو الاقتصادي .
في مثل هذه الظروف تزداد الحاجة الى خلق نوع من التوازن بين دور الحكومة وآليات السوق ، وفسح المجال أمام الحكومة للتدخل لمعالجة الآثار الناجمة عن الاختلالات الهيكلية والاجتماعية والسياسية.
وهنا تبرز الحاجة الى العمل بمفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي وهو مفهوم يقوم على الدمج بين مقومات نظام السوق ومقومات نظام الرعاية الاجتماعية.
بدأ تطبيق هذا المفهوم في أكثر الدول الأوربية الغربية تطورا وخصوصا الدول التي حكمتها الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية كبريطانيا والدول الاسكندينافية وألمانيا وإيطاليا وفرنسا
ويمثل نظام اقتصاد السوق الاجتماعي رداً وطنياً على نظام السوق الليبرالي المعولم الذي يعمل لصالح الربح على حساب الأجور. و يلبي هذا النظام طموح الناس في ظروف العولمة الرأسمالية باعتباره نظاما يلجم النزعات الجشعة في نظام السوق.
يسعى هذا النظام الى الاستفادة من مزايا آليات السوق مع التحكم الاقتصادي والاجتماعي وضبطها والحد من إضرار تقلبها ومعالجة تشوهاتها، و يهدف هذا النظام الى تحقيق التنمية الاقتصادية بالتلازم مع تخفيف الأعباء المعيشية على الفقراء كما يؤمن للفئات الاجتماعية الفقيرة الخدمات الأساسية وبخاصة الصحة والتعليم والسكن .
وتحقيق التنمية في ظل هذا النظام يتطلب إيجاد التوليفة المناسبة التي تحقق التفاعل والتكامل بين دور الدولة ودور قوى السوق، بالتوصل إلى الصيغة التي تكفل تحقيق التناغم بين منهج التخطيط وآليات السوق. فكما تؤدي آليات السوق وظيفة توجيه رسائل إلى القوى الفاعلة في السوق لترشيد قراراتها الاقتصادية المتعلقة بالإنتاج والاستهلاك، ، يقوم التخطيط بتزويد أصحاب القرار بخريطة للواقع الراهن المحلي والدولي وبأفق مستقبلي وببوصلة دقيقة يسترشدون بها للوصول إلى المستقبل المرغوب وعليه فإن نظام اقتصاد السوق الاجتماعي لا يترك إدارة النشاط الاقتصادي، للقطاع الخاص، وإنما هو نظام متكامل بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ويفترض توفر وتدفق المعلومات وحرية وشفافية تداولها عن المكونات المتكاملة للنظام الاجتماعي القائم على حرية التملك، وحرية التنظيم السياسي، والمهني والنقابي، وحرية الإضراب عن العمل، وحرية الفكر والتعبير والنشر والمساءلة، وحماية المستهلك من حيث جودة السلع والخدمات وأسعارها، والدفاع عن نظافة البيئة وسلامتها. ويقتضي هذا النظام الفصل بين السلطات السياسية التنفيذية، والتشريعية والقضائية، والإعلامية المسموعة والمقروءة والمرئية، واحترام الرأي العام وإتاحة المناخ الملائم لمؤسسات المجتمع المدني للتعبير عنه بحرية.
وفي واقع الاقتصاد العراقي الريعي ، حيث كلما تقلص ريع النفط باعتباره المورد الأساس لموازنة الدولة ، يزداد العجز، وترتفع نسبة الديون وعبء خدمتها ، وتختل أسس عدالة التوزيع، أكثر مما كانت عليه، وتزداد العقبات المعيقة للتنمية،لذا من الطبيعي أن يعجز نظام السوق بمفرده عن إيجاد الحلول الملائمة،من منظور الصالح العام للسكان. وهذا يقتضي تدخل الدولة الوطنية المعبرة عن وحدة المصالح النسبية لغالبية السكان، كما هو مفترض في نظام السوق، وترشيده بالتخطيط المرن لتوجيهي.

ليست هناك تعليقات: