موقع الدكتور فلاح خلف الربيعي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
و أهلا وسهلا بكم

د.فلاح خلف الربيعي

صورتي
كلية الادارة والاقتصاد / قسم الاقتصاد / الجامعة المستنصرية

الجمعة، فبراير 29، 2008

الثابت والمتغير في علاقة روسيا بالمنطقة العربية

د.فلاح خلف الربيعي
نشأت العلاقة بين روسيا والعالم العربي ، قبل حوالي أحدى عشر قرناً،على يد المؤرخ والأديب والدبلوماسي العربي الشهير أحمد بن فضلان، الذي أرسل من دار الخلافة العباسية في بغداد في العام 921 م على رأس بعثة إلى روسيا ، ليعرفهم بآداب الإسلام وتعاملاته ويدرسهم اللغة العربية والأدب العربي.
طوال تلك الحقب التاريخية ظلت علاقة روسيا بالمنطقة العربية محكومة بعوامل ثابتة تقريبا ، فروسيا القيصرية كانت محكومة برؤية الكنيسة الأرثوذكسية إلى العالم العربي والإسلامي وبظروف المنافسة مع الدولة العثمانية ، أما روسيا السوفيتية فكانت محكومة برؤيتها العقائدية وبصراعها مع الغرب للهيمنة على تلك المنطقة.وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي تهيأت فرصة تاريخية لإجراء مراجعة شاملة لأسس تلك العلاقة وبخاصة بعد التغيير السياسي والاقتصادي الذي شهدته روسيا بعد تولي الرئيس بوتين ،الذي هيأ أرضية مناسبة لتغيير أسس تلك العلاقة ونقلها من الرغبة بالهيمنة و بسط النفوذ ، إلى أجواء التعاون على أساس المصالح المشتركة .
في هذه المقالة سنقف عند أهم الحقب التاريخية التي مرت بها روسيا لتشخيص العوامل الثابتة والمتغيرة في علاقتها بالمنطقة العربية.

الحقبة القيصرية
اقتصرت علاقة روسيا بالعالم العربي خلال العهد القيصري على محاولتها التوسع في المناطق الإسلامية المجاورة، التي تشكل المجال الحيوي والمحيط الجغرافي المباشر لروسيا ، فقد فرضت ظروف الجغرافيا وأحلام بناء الإمبراطورية ومناخ الحروب الذي هيمن على القرون الوسطى على الروس في تلك الحقبة الاهتمام بالعالم العربي والإسلامي ووضع المنطقة العربية في بؤرة سياستها الخارجية .
فبعد أن ظلت روسيا خاضعة لحكم المسلمين ، تم تحريرها في القرن الخامس عشر على يد إيفان الثالث الذي هزم التتار المسلمين وأعلن ظهور الإمبراطورية الروسية، ومع وصول حفيده أيفان الرابع – الملقب بإيفان الرهيب – إلى السلطة ، بدأت روسيا بالزحف على المناطق الإسلامية المجاورة وضمها بالتدرج لتكوين إمبراطوريتها ،ومنذ منتصف القرن السابع عشر ظهرت روسيا كدولة مؤثرة في السياسة الدولية ، بعد أن تمكن بطرس الأكبر (1682-1725 ) وهو المؤسس الحقيقي للإمبراطورية الروسية الحديثة ، من دمج روسيا بالحضارة الأوربية والنهوض بالصناعة والتعليم والجيش ، ثم واصلت الإمبراطورة كاترين الثانية (1762-1796 ) عمليات الإصلاح الداخلي والتوسع الخارجي وإرساء دعائم القوة الروسية ، حتى أصبحت روسيا في مطلع القرن التاسع عشر احد القوى الكبرى ، خاصة مع الضعف الذي أصاب منافسها التقليدي وهو الدولة العثمانية.

الحقبة السوفيتية
عند الانتقال إلى المرحلة السوفيتية، نجد أن اهتمام روسيا بالمنطقة العربية ، قد ازداد كثيرا ، خاصة خلال فترة الحرب الباردة بين القطبين الأمريكي والسوفيتي التي فرضت على موسكو تنشيط علاقتها مع الدول العربية ،لدخولها في منافسة شديدة مع واشنطن لتقاسم النفوذ في تلك المنطقة . فأثمر هذا التوجه عن علاقات كانت الأكثر دفئا بين روسيا وعدد غير قليل من الدول العربية، ربما على مدى تاريخ علاقة روسيا بالمنطقة
ففي منتصف الخمسينيات في القرن العشرين وتحديدا خلال فترة الحصار الأمريكي الغربي على مصر، ازدادت الروابط العربية الروسية وبخاصة المصرية السوفييتية ، ولم تقتصر تلك العلاقة على مصر، بل امتدت لسوريا والعراق وفلسطين وليبيا وأقطار الخليج العربي. وبقدر ما قدم السوفييت من مساعدات عسكرية وتصنيعية وزراعية وثقافية وإستراتيجية للعرب، بقدر ما أخذوا منهم ، فنهلوا من منبع هذه العلاقات نفوذا دوليا وتقدما تكنولوجيا، وكانت ساحات المعارك في البلاد العربية حقلا لتجاربهم في مجال تطوير معداتهم وأسلحتهم،كما انتفعوا من السواحل العربية على البحر الأبيض المتوسط وعلى الخليج وعلى البحر الأحمر ، وتمكنوا من كسر طوق العزلة المفروضة عليهم من الولايات المتحدة والغرب وبخاصة خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية .
ويمكن أن نجمل أهم العوامل المؤثرة في علاقة روسيا بالمنطقة العربية خلال المرحلة السوفيتية بالآتي :-
1-الجوار الجغرافي العربي لروسيا قد أضفى أهمية جغرافية سياسية وإستراتيجية للشواطئ العربية على البحر الأبيض المتوسط والخليج والبحر الأحمر.
2-انفتاح الأسواق العربية أمام السلاح والصناعات السوفييتية ، في مناخ الحروب العربية مع إسرائيل، وقد تعزز هذا الانفتاح بملائمة التكنولوجيا السوفييتية ورخصها أمام هذه الأسواق، التي كانت عطشى للتشبع بالتكنولوجيا السوفييتية .
3-حاجة الدول العربية المستقلة حديثا إلى سند ضد محاولات إرجاعها للهيمنة الاستعمارية الغربية من جديد، وتطابق معظم مواصفات هذه القوة المساندة على الاتحاد السوفييتي السابق.
4- التقارب العقائدي بين الأنظمة العربية في كل من مصر والعراق وسوريا وليبيا والجزائر واليمن الجنوبي السابق والنظام السوفيتي ، خلال عقود الستينات والسبعينات من القرن العشرين ، فقد تبنت هذه الأنظمة مجموعة من الأفكار والعقائد الاشتراكية التي تلتقي في مضمونها مع العقيدة الماركسية –اللينينية التي يتبناها النظام السوفيتي، فضلا عن التقاءها مع التوجهات السوفيتية في مسالة العداء للولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموما ، وقد توج هذا التقارب بإقامة معاهدات صداقة وتعاون اقتصادي وعسكري وأمني بين هذه المجموعة من الدول العربية والاتحاد السوفيتي السابق .
5- الموقف السوفيتي الداعم للعرب خلال حروبهم مع إسرائيل في عامي 1967 و1973 وتأييده الدائم للحق العربي في فلسطين، كما أتسم الموقف السوفيتي في مجلس الأمن بقدر كبير من التوازن وعدم التحيز الواضح لأحد الطرفين مقارنة بالموقف الأمريكي .
الوضع الراهن للعلاقات العربية الروسية
مع نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي، دخلت السياسة الروسية في مرحلة جديدة أخذت ملامحها تتشكل مع تولي الرئيس فلاديمير بوتين السلطة في مارس 2000، فشهدت التوجهات الأساسية للقيادة الروسية تجاه العالم العربي والإسلامي عموما تفعيلا واضحا، بعد الجمود الذي أصاب السياسة الروسية بصفة عامة وتجاه العالم العربي بخاصة في أواخر عهد الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين، فوجدت الدول العربية نفسها أمام طراز جديد من التعامل يميل نحو إقامة علاقات تعاونية تخدم مصالح الطرفين .
ويمكن ربط التحركات الجديدة للسياسة الخارجية الروسية تجاه العالم العربي بمجموعة من العوامل أهمها :-
1-اختفاء أو تقلص الإرادة السياسة المبنية على العقائد السياسية الاشتراكية في كل من روسيا والأنظمة العربية الحالية،فأصبح تأثير هذا العامل ضعيفا على التوجهات السياسية الخارجية لدى الطرفين .
2- تسارع خطى العولمة و تعثر وانحسار آليات النمو المستقل على الجانبين الروسي والعربي، أدى إلى ضمور واختفاء عوامل النزوع نحو تحقيق التنمية المستقلة والتوجه نحو الاندماج مع ا لاقتصاد العالمي .
3- سعي روسيا نحو تفعيل دورها كقوة عظمى، وإن كان على نحو متدرج وبثقة كبيرة، قد فرض عليها العمل على إظهار ثقلها على المسرح الدولي، وبخاصة في أعقاب التطورات التي رافقت الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003 .
4- التخوف من انتقال التدهور في الوضع الأمني في المنطقة العربة إلى منطقة القوقاز وآسيا الوسطى، وربما إلى روسيا نفسها.
5- ينطلق التركيز الروسي على المنطقة العربية من فهم موضوعي قوامه أن السيطرة الأمريكية الحالية على المنطقة انطلاقاً من كابول إلى العراق ستمتد لاحقاً إلى طهران ثم إلى باقي الخليج العربي والبحر المتوسط وستصل إلى مناطق بحر قزوين ثم إلى روسيا ذاتها
6- البحث عن بدائل عن الاستثمارات والمساعدات الأمريكية والغربية لروسيا ، ومحاولة فتح أسواق جديدة تساعدها على تجاوز أزماتها الاقتصادية.
لذا فأي عملية تقييم للعلاقات الروسية العربية يجب أن تراعي المسائل الآتية :-
· رؤية قيادات الكرملين للعلاقات مع العرب؟ وما يرتبط بها من قضايا في مقدمتها حجم النفوذ اليهودي داخل روسيا، و تأثيره على عملية صنع القرار في روسيا.
· الضعف في مكانة الدول العربية في أولويات القيادة الروسية الذي ارتبط بضعف استجابة الأنظمة العربية للمصالح الروسية في المنطقة، وعدم اهتمام هذه الأنظمة بموضوع ربط روسيا بشبكة مصالح ذات تأثير على توجهات القيادة الروسية لتفعيل دورها في المنطقة ، فضلا عن ضعف الاستثمارات والمبادلات التجارية العربية مع روسيا ،كما أن صادرات روسيا من الأسلحة للدول العربية لا تزال عند أدنى مستوى لها مقارنة بالطموح الروسي ،ورغبة القيادة الروسية في التعاون واستعدادها لتصدير أسلحة متقدمة تكنولوجيا ، ترفض الولايات المتحدة تصديرها لاعتبارات تتعلق بتوازن القوى في المنطقة.
· هيمنة أمريكا على شئون الشرق الأوسط، و حرصها على التفرد بدور الوسيط في عملية التسوية السلمية في المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية .
· توسع النفوذ اليهودي داخل روسيا ، بعد أن تمكن اليهود الروس من إقامة إمبراطوريات إعلامية واقتصادية اكتسبت نفوذاً سياسياً واسعاً خلال فترة الرئيس الروسي السابق يلتسين بل إن نفوذهم قد أمتد إلى الكرملين ذاته وأصبح لهم تأثير قوى على عملية صنع القرار،واختيار المسئولين التنفيذيين في مختلف المواقع،رغم محاولات الرئيس بوتين ومنذ توليه السلطة تحجيم هذا النفوذ.
الخاتمة :- يمكن أن نستنج بناءا على كل ما تقدم :-
إن السياسة الروسية في المنطقة العربية تحكمها اليوم مجموعتان من المصالح،
أولاهما المصالح الاقتصادية :- وتتمثل بالطموح الروسي نحو استعادة مكانة الاتحاد السوفيتي السابق وإعادة الهيبة إلى الاقتصاد الروسي من خلال العمل على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة والحصول على المساعدات من مختلف دول العالم وفي مقدمتها الدول العربية الغنية ، فضلا عن تنشيط تجارة السلاح والصادرات الروسية من السلع والخدمات إلى دول المنطقة.
وثانيهما المصالح الأمنية التقليدية :- وتتمثل بالسعي نحو التخفيف من غلواء التوسع الأمريكي في المنطقة والعمل على تحقيق الاستقرار والحفاظ على التوازن الإقليمي .
أن هاتين المصلحتين تفسران رغبة روسيا القوية في بسط يد العون مع الدول العربية ، كما تلمس ذلك القادة العرب في زيارة الرئيس بوتين الأخيرة إلى السعودية وقطر والأردن. لكن على العرب فهم معطيات هذا التوجه، وأجراء عملية إعادة تقييم شاملة لإمكانيات روسيا الاقتصادية والسياسية والعسكرية لتقصي إمكانات الاستفادة منها، وجعلها أحد العناصر التي يمكن تساعد على تحقيق الاستقرار في المنطقة والنهوض بعملية التنمية في الدول العربية، لذا يجب أن يتجاوز التعاون المجال العسكري، ليمتد وبقوة إلى المجال الاقتصادي الصناعي والزراعي والنفطي، وبخاصة مع دول الخليج التي ينبغي عليها أن تدرك أهمية روسيا، بوصفها أكبر منتج للنفط خارج نطاق منظمة أوبك، وأكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم، فضلا عن تأثيرها الكبير في أسواق الطاقة العالمية.

ليست هناك تعليقات: