موقع الدكتور فلاح خلف الربيعي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
و أهلا وسهلا بكم

د.فلاح خلف الربيعي

صورتي
كلية الادارة والاقتصاد / قسم الاقتصاد / الجامعة المستنصرية

الأربعاء، أبريل 02، 2008

الاقتصاد العراقي بين اسلوب التخطيط ونظام السوق

د.فلاح خلف الربيعي
شهد الاقتصاد العالمي خلال العقود القليلة الماضية مجموعة من المتغيرات الاقتصادية والسياسية التي زرعت الشك في جدوى استمرار العمل بالتخطيط كمنهج لإدارة الاقتصاد، من أبرزها انهيار منظومة الدول الاشتراكية، وظهور بوادر الفشل الذريع لتجارب التنمية في قسم كبير من الدول النامية التي تستعين بأساليب بيروقراطية في التخطيط. واقترن هذا الفشل بنجاح منقطع النظير في مجموعة الدول النامية التي تستعين بنظام السوق وفي مقدمتها مجموعة النمور الآسيوية، وبوجود مجموعة من الضغوط التي يمارسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على الدول النامية ذات المديونية العالية لإجبارها على الإسراع بالتحول نحو نظام السوق .ورغم أن هذه التطورات قد أعطت الارجحية لنظام السوق في إدارة عملية التنمية وعلى حساب أسلوب التخطيط، الا أننا نجد من جانب اخر أن تعقيدات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في البلدان النامية كانت تلقي بظلها الثقيل على صانعي القرار وتساهم بشكل كبير في تعطيل فعالية قوى السوق في معالجة الاختلالات الهيكلية المتأصلة في تلك البلدان. وتبدو الأمور أكثر تعقيدا بالنسبة للاقتصاد العراقي في ظل الأزمة البنيوية الحادة التي يعانيها الهيكل الإنتاجي بعد التشوهات التي تعرض لها هذا الهيكل خلال العقود الماضية، والتي تعمقت بفعل الحروب والحصار الاقتصادي، وما أسفر عنها من ارتفاع في معدلات المديونية الخارجية و معدلات البطالة والتضخم. وضعف البنية التحتية وقصور الهياكل المؤسسية، وتخلف منظومة القوانين والتشريعات. ان التعقيدات المذكورة قد أدت الى انتهاك الشروط الموضوعية اللازمة لعمل آليات السوق في العراق، فهذه الآليات لا يمكن أن تعمل بشكل صحيح في ظل تشوه نظام الأسعار وهيمنة الاحتكارات الحكومية على مجالات الإنتاج الرئيسية، كما أن ضعف حالة المنافسة في السوق العراقية سيخلق حالة من التفاوت بين إمكانات القطاع العام والخاص، في ظل حالة عدم نضوج المؤسسات العاملة في تلك السوق وهيمنة الاقتصاد المعيشي والاقتصاد الموازي على قسم كبير من الأنشطة الاقتصادية، وتعاظم وزن الأنشطة الطفيلية على حساب الأنشطة الحقيقية. كما أن الارتفاع الحالي لمعدلات البطالة سيضعف من الموقف التفاوضي لعنصر العمل في عملية المساومة مع عنصر رأس المال .ان تلك الظروف تجعل الاقتصاد العراقي اليوم أكثر اقتصادات العالم حاجة إلى التخطيط، لا من أجل التنسيق بين قطاعاته الاقتصادية فحسب ،بل من أجل المواءمة بين المصالح المتعارضة للقوى الاجتماعية الفاعلة في الساحة العراقية. فمن خلال التخطيط يمكن التوصل إلى صيغة توافقية بين هذه القطاعات وتلك الفئات في إطار خطة بعيدة الأمد للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، تنبثق عن حوار صريح حول الأهداف العامة والأولويات وتوزيع الأعباء والمنافع، وبدون ذلك من المحتمل جداً أن يؤدي تضارب المصالح إلى تعميق حالة التصادم وتفعيل عوامل الاضطراب ليأخذ بمسار التنمية وعملية التوازن الاقتصادي والاجتماعي بعيدا عن حالة الاستقرار. وباختصار فان قوى السوق غير قادرة لوحدها على إعادة التوازن بين المصالح المتعارضة، لعدم بلوغ السوق العراقية والمجتمع العراقي درجة من النضج تؤهله للعمل بكفاءة، فضلا عن ضعف البنى الاجتماعية وهشاشة التنظيمات المعبرة عنها.في ظل تلك الظروف يمكن أن يساعد التخطيط على تزويد الدولة بمعطيات وأدوات تمكنها من استشراف المستقبل وضبط مسار التنمية على المدى البعيد. كما سيتيح لها إمكانية الرصد والمتابعة للتغيرات الداخلية والخارجية التي تطرأ أثناء التنفيذ، ويمكنها من اتخاذ السياسات والتدابير الملائمة للتكيف معها والحد من آثارها السلبية على الاقتصاد الوطني. وتشتد الحاجة إلى التخطيط في ضوء تسارع وتيرة اندماج الاقتصاد العراقي بالاقتصاد العالمي. فالتخطيط سيزود أصحاب القرار بخريطة للواقع الراهن المحلي والدولي وبأفق مستقبلي وببوصلة دقيقة يسترشدون بها للوصول إلى المستقبل المرغوب.وأخيرا من الخطأ الاعتقاد بأن تدخل الدولة في الشأن الاقتصادي يلغي دور آليات السوق. على العكس من ذلك،فأنه سيساعد على تصويب انحرافات آليات السوق وزيادة كفاءتها، وسيمكن من معالجة قضايا استراتيجية تعجز آليات السوق وحدها عن التعامل معها. من هنا يمكن القول ان نجاح عملية التنمية في الاقتصاد العراقي سيكون مرهونا بمدى النجاح في إيجاد التوليفة التي تحقق التناغم بين منهج التخطيط وآليات السوق


ليست هناك تعليقات: