موقع الدكتور فلاح خلف الربيعي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
و أهلا وسهلا بكم

د.فلاح خلف الربيعي

صورتي
كلية الادارة والاقتصاد / قسم الاقتصاد / الجامعة المستنصرية

الجمعة، فبراير 29، 2008

القطاع الخاص في العراق من المضاربة والمقامرة الى الاستثمار النموذجي

د.فلاح خلف الربيعي
ألحقت ظروف الحروب والحصار الاقتصادي التي مرت على العراق خلال العقدين الماضيين تشويها فادحا بشخصية القطاع الخاص العراقي، عندما كرست سلوك المضاربة والمقامرة لدى معظم العاملين في هذا القطاع،الذين تخلوا تدريجيا عن شخصية المستثمر النموذجي للاستفادة من ظروف الحروب والتضخم والأزمات الاقتصادية، ومن الطبيعي أن ينعكس هذا التوجه بشكل تدهور كبير في مستويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.وعليه فأن هذه الشخصية تواجه اليوم امتحانا عسيرا، فهي بحاجة الى أن تثبت كفاءتها و نزاهتها وامتلاكها للموارد والإمكانيات والمؤهلات الكفيلة بنجاحها في قيادة عملية التنمية والتحول الاقتصادي في العراق، فقد أصبح من غير المنطقي وغير المقبول أن تستمر بنفس سلوكها السابق.وتسعى هذه المقالة الى توضيح الفروق بين المفاهيم الثلاثة للمساهمة في تعميق الثقافة الاستثمارية .
ينظر الى الاستثمار التنموي على أنه عملية اقتصادية تقوم على أسس وقواعد علمية وعقلانية في مقدمتها دراسات الجدوى التي تعمل على توجيه الأصول بمختلف أشكالها نحو النشاطات الاقتصادية الكفيلة بتحقيق العوائد الاقتصادية أو الاجتماعية أو التكنولوجية في المستقبل، فضلا عن دورها في تحقيق تدفقات مستمرة ومستقرة، في ظروف تتسم بالأمان والشفافية وبقدر مقبول من المخاطرة.و يتطلب الاستثمار التنموي وجود التزام بالمحددات التشريعية وبالقيود التكنيكية والشروط الاقتصادية ، وهذا الالتزام هو ما يميز المستثمر النموذجي عن المضارب و المقامر.
أما المضاربة فهي عملية تقوم على تصعيد أسعار الأصول موضوع المضاربة، بصرف النظر عن قيمتها الحقيقية، والعنصر الجوهري في المضاربة هو المخاطرة بالشراء (أو البيع) في الوقت الحاضر على أمل البيع (أو الشراء) في المستقبل القريب، للاستفادة من فروقات الأسعار.والمضارب شخص لا يراعي العلاقة بين العوائد والمخاطر التي يهتم بها المستثمر النموذجي عادة ويركز فقط على وسائل تحقيق المنافع السريعة الناجمة عن فروقات الأسعار في عمليات بيع وشراء الأصول ،معتمدا على قدراته الخاصة في المناورة والحدس وتوقع الأسعار واحتكاكه المباشر بالأسواق و على المعلومات التي يحصل عليها من محللين متخصصين أو أفراد يشغلون مواقع مهمة في الدولة أو قريبة من مراكز صنع القرار الاستثماري،ولكي لا يخيب ظن المضارب بالأسعار، فانه يستخدم وسائل عديدة لتحقيق توقعاته،في مقدمتها نشر الإشاعات أو الصفقات الوهمية، أو خلق التكتلات التي تضم كبار المضاربين للتلاعب بالأسعار أو التأثير عليها،واصطياد صغار المتعاملين،الذين يتصرفون عادة وفقا سلوك القطيع ، فينجذبون نحو المضاربة ظنا منهم أن السوق في بداية صعودها بينما هي في مرحلة التصريف لدى كبار المضاربين، وهنا يجد الصغار أن ما تم شراءه من أصول قد وصلهم بأعلى الأسعار وليس هناك من يدفع أعلى من ذلك ويقدم على الشراء، فيبدءون بالتخلص من أصولهم بأسعار منخفضة خوفا من تعاظم الخسارة فيعيد ا المضاربين الكبار شراء تلك الأصول وبهذا يدخل المضارب مرحلة مقامرة .و كلما ابتعد المضارب عن المستثمر النموذجي فأنه يميل ليكون مقامرا (gambler) متعاملا بالصفقات السريعة والمراهنات الخطيرة على العوائد والأصول،و يمكن أن نميز باختصار بين المستثمر النموذجي والمضارب والمقامر بالنقاط الآتية :-
1-يركز المستثمر النموذجي على الاستثمار طويل الأجل ويفضل الاستقرار في عمله بدلا من الدخول في متاهات التقلبات، كما يتميز بالصبر والتحمل ودراسة كافة الجوانب مسبقا، في حين يركز المضارب على الأجل المتوسط والقصير لأنه يهتم فقط بفروقات الأسعار ووسائل تحقيق المنافع السريعة الناجمة الأخرى للاستثمار .وفيما يخص المقامر فأنه يركز على أقصر الآجال وعلى الفرص الآنية ولا يهتم سوى بالمنافع السريعة بصرف النظر عن المخاطر المحتملة .
2- يبحث المستمر النموذجي عن العوائد ذات التدفقات المستمرة والمنتظمة والمستقرة أما المضارب والمقامر فكلاهما وبدرجات مختلفة يبحثان عن الإرباح التي يمكن تحقيقها عن فروقات الأسعار، وبالتالي فهم مستعدان وبدرجات مختلفة للتضحية بممتلكات يمكن أن تحقق لهما عوائد منتظمة عندما يكتشفان وجود فروق كبيرة في الأسعار عند بيع تلك الممتلكات.
3- يراعي المستثمر النموذجي العلاقة بين العوائد والمخاطر أما المضارب فيميل الى المخاطرة بأصوله عندما تحقق له عوائد مرتفعة نسبيا ، ويكون المقامر أكثر شراسة فهو يميل نحو النشاطات التي تتميز بأعلى درجات المخاطرة ، طمعا في الوصول الى أقصى العوائد وبصرف النظر عن التضحيات الخاصة والاجتماعية ، لذا غالبا ما تتميز نشاطات بطابعها غير الشرعي و قد تأخذ في بعض الحالات طابعا إجراميا .
4- يحتفظ المستثمر النموذجي بقدر معقول من السيولة النقدية لمواجهة التزاماته المالية وسداد الديون، أما المضارب فيحتفظ بنسبة عالية من السيولة النقدية وبنسبة ضئيلة من الأصول المالية غير النقدية و الحقيقية ، و ينصب اهتمام المقامر على السيولة النقدية و لأجلها يضحي بكل أصوله الأخرى .
6- يحرص المستثمر النموذجي على الالتزام بالقوانين والأنظمة والتعليمات وممارسة نشاطه في مناخ نظامي، أما المضارب فيسعى باستمرار الى الالتفاف على القوانين والأنظمة والتعليمات محاولا تجنب العقوبات والإضرار المالية،و لا يكترث المقامر بالتشريعات ولا يبذل أية جهود ليجنب نفسه النتائج السلبية المترتبة على تصرفاته غير المشروعة .
7- يفضل المستثمر النموذجي ممارسة نشاطه في مناخ يتسم بالشفافية والوضوح يتم فيه تبادل المعلومات في تنافس حر وكفؤ ، أما المضارب ومن ثم المقامر بدرجة اشد فيعتمد على الشائعات والحدس السيكولوجية السوقية
وهذا ما يدفعه الى اللجوء الى أساليب التحايل والخداع والالتواء
8- يهتم المستثمر النموذجي بسمعته الشخصية وسمعة مؤسسته، وغالبا ما يضحي بجزء من عوائده لحماية البيئة وصحة العامين وللمساهمة في النشاطات الثقافية والاجتماعية ، أما المضارب فأن عدم استقراره في نشاط استثماري معين يدفعه الى عدم الاهتمام بسمعته الشخصية وسمعة مؤسسته ويكون هذا الوضع أسوء في حالة المقامر، الذي غالبا ما تقود تصرفاته الى إلحاق الضرر بسمعته وسمعة مؤسسته .
بناءا كل ما سبق فأن السياسات الاقتصادية الجديدة توفر فرصة حقيقية أمام القطاع الخاص العراقي للعودة الى طريق الاستثمار النموذجي والتخلي عن الممارسات غير الرشيدة في عمليات توظيف الأموال وبخاصة عمليات المضاربة والمقامرة .

مقترحات لمعالجة مشكلة الديون المصرفية المتعثرة في العراق

د.فلاح خلف الربيعي

الدين المتعثر هو ذلك الجزء غير المسدد أو الرصيد المتبقي من المعاملات التي جرت بالائتمان، ويشمل هذا المفهوم القروض التي تعرضت اتفاقيات دفعها بين المصرف و المقترضين الى مخالفات أساسية نتج عنها عدم قدرة المصرف على تحصيل تلك القروض و فوائدها ،الأمر الذي يجعل من احتمالية خسارة المصرف لتلك القروض مرتفعة .
وهناك تسميات مختلفة للديون المتعثرة منها القروض غير المستردة وغير العاملة والديون المتأخرة، وتشمل الديون المتعثرة كل الديون الناشئة عن الائتمان النقدي التي استحقت وتخلف الزبائن عن تسديدها ، ومن أهم أنواع الديون المتعثرة ،الأوراق التجارية المستحقة وغير المدفوعة،الحسابات الجارية المدينة الملغاة وغير المسددة،خطابات الضمان المدفوعة وحالات عجز الزبائن عن التسديد ، الحوالات المتعذر تحصيلها،القروض والسلف الشخصية ،مستندات الشحن غير المسددة وسلف معاملات التصدير،الديون المتفرقة الأخرى التي تأخر تسديدها .

حجم الديون المتعثرة في العراق
أصبحت مشكلة الديون المتعثرة من أهم المشاكل التي تواجه النظام المصرفي في العراق اليوم ، بعد أن شهد حجم تلك الديون ارتفاعاً ملحوظاً بعد سقوط النظام السابق في العام 2003 ،وقدر أجمالي تلك الديون في عام 2004 بنحو (58) مليار دينار بحسب البيانات الصادرة عن البنك المركزي العراقي،يعود (24%) منها الى المصارف الحكومية،ويتركز معظمها لدى مصرف الرافدين وبنسبة قدرت ب (50.2%) ،يليه مصرف الرشيد وبنسبة قدرت ب 28)%)،ولم تستثنى المصارف الخاصة من تلك الظاهرة حيث وصلت نسبة الديون المتعثرة لدى تلك المصارف في نفس العام حوالي (13%)، تركز معظمها لدى المصرف الأهلي العراقي حيث بلغت نسبتها (30%) يليه المصرف الإسلامي العراقي وبنسبة قدرت ب (27%) أما لدى مصرف بغداد فقد بلغت نسبتها (20%).

أسباب الديون المتعثرة :-

أولا : أسباب خاصة بالمصارف وتشمل على :-
1 -الأسباب الفنية : تعود الى إهمال المصارف للنواحي الفنية والشروط والضوابط المطلوبة توفرها قبل الموافقة على منح القرض،وقد أدى هذا الإهمال الى اندفاع المصارف نحو التوسع في منح التسهيلات والقروض الكبيرة وفي منح الائتمان بجميع أنواعه بسبب توفر السيولة العالية لدى المصارف ،وارتبط هذا الاتجاه بحالة عد م الانضباط النقدي التي سادت الاقتصاد العراقي خلال فترة الحصار الدولي 1990 -2003 وما رافقتها من حالة منافسة بين المصارف،فضلا عن الصلاحيات الواسعة الممنوحة لمدراء الفروع ،وعدم اقتران الكثير من عمليات منح الائتمان بعمليات دراسات الجدوى للمشروع ، كما أن بعض المصارف لا تلتزم بالتعليمات وما هو مخصص لها في منح الائتمان .
2 - الأسباب الإدارية :- تعود الى حالة الفساد الإداري والمالي في عمليات منح القروض ،التي سهلت مهمة اختراق القواعد والقوانين المنظمة للعمل المصرفي، فضلا عن ارتفاع درجة التركيز في قروض الجهاز المصرفي،حيث حصل عدد محدود من العملاء على أكثر من 40% من تلك القروض التي قدمها هذا الجهاز مع تراجع الضمانات العينية والضمانات المرتبطة بقوة المركز المالي للمشروع الممول من البنك. فضلا عن ضعف إدارات الفروع ،ضعف الخبرة والمهارة والتدريب، وضعف الرقابة .
3-سياسات وأساليب الإقراض:- تعود الى عدم وجود سياسات واضحة ومكتوبة،لتحديد صلاحيات مدراء المصارف والفروع ، أو إجراءات منح الائتمان والضمانات المطلوبة .
4-الأخطاء المتعمدة وغير المتعمدة :- تعود الى عدم استخدام الوسائل الحديثة في الاستعلام المصرفي واعتماد بعض المصارف على خبراء أهليين تنقصهم النزاهة والأمانة والكفاءة مما ساهم في توسيع دائرة المقترضين وأضعف من عنصر الضمانات .
ثانيا- أسباب خاصة بالمقترضين :- تعود الى عدم تماثل المعلومات بين المصارف والجهات المقترضة ، نتيجة لعدم توفر المعلومات الائتمانية الكافية عن الزبائن التي تتضمن دراسة السلوك المقترض ،من حيث قدرته على السداد،رأس المال ، الضمانات ، الظروف المحيطة بالنشاط الاقتصادي للمقترض مما ساهم في زيادة حجم المخاطر الأخلاقية وارتفاع معدلات التعثر في السداد .

ثالثا- الأسباب العامة الخارجية وترتبط بالسياسة النقدية والائتمانية للبنك المركزي وتعود الى عدم تطبيق الوسائل الرقابية بشكل فعّال وضعف الرقابة والمتابعة للخطط الائتمانية وعدم وجود تعليمات واضحة تمنع اقتراض الشخص (الطبيعي أو المعنوي ) من أكثر من مصرف واحد ما لم تتوفر الضمانات الكافية ، وعدم شمول المصارف الحكومية بأحكام المادة ( 54 ) من قانون البنك المركزي العراقي رقم 64 لسنة 1976 المعدل بشان حدود ونسب منح الائتمان من رأسمال المصرف .

المقترحات :-
لمعالجة مشكلة الديون المصرفية المتعثرة نقترح ما يأتي :-
1- ضرورة إصدار تشريع خاص بمعالجة مشكلة الديون المتعثرة يضمن إعادة التوازن في العلاقة بين المصارف والجهات الدائنة و والجهات المدينة ،فمعالجة تلك المشكلة يمكن أن يساهم في تخفيف المشكلات الاجتماعية الأخرى ، ويمنح الإفراد والمؤسسات الخاصة المدينة الفرصة في تحسين أوضاعها المالية ،إضافة الى أنه يساهم في تحسين ملاءة المصارف بإخراج الديون الصعبة من ميزانياتها وتحرير الاحتياطات المقابلة لمبالغ الديون المتعثرة
2-ضرورة الاستفادة من الاعتبارات و الإجراءات الفنية التي تم في ضوءها معالجة مشكلة الديون الخارجية للعراق بموجب اتفاقية نادي باريس ،و استخدامها في معالجة مشكلة الديون المصرفية المتعثرة ، بهدف دعم المشاريع الخاصة وإعطائها فرصة جديدة للنهوض، مع ضرورة عدم التساهل مع المتعثرين لأسباب 'متعمدة' والتشدد معهم حفاظا على المال العام من منطلق ضرورة إتاحة القروض للمقترضين الجيدين الذين يستحقون الدعم و لضمان استمرار مشروعاتهم .
4- تقييم حالات التعثر التي تواجه بعض المشروعات ،و تقديم الدعم والمساندة للمتعثرين لأسباب خارجة عن إرادتهم أو نتيجة للظروف الأمنية أو نتيجة لأوضاع السوق في إطار من المرونة حفاظا على المال العام على أن يتم التعاون مع هؤلاء بإعادة جدولة قروضهم وإعفائهم من أعباء الفائدة المتراكمة عليهم.
5-ضرورة العمل على فصل الديون القديمة المتعثرة عن التسهيلات الجديدة وإعادة احتسابها على قاعدة الفوائد السنوية التي تغطي التكلفة المصرفية ثم جدولتها بالفوائد نفسها ،على أن يستفيد من هذه التسوية المدينون الذين دفعوا جزءا كبيرا من الفوائد التي قد تعادل في بعض الأحيان مبالغ التسهيلات المصرفية الأساسية التي حصلوا عليها .
6-تنفيذ أسلوب جديد يضمن عدم التعثر في المستقبل وذلك من خلال إعداد دراسات عن المشروعات المقدمة للحصول على القروض ، و تأهيل أصحاب المشروعات قبل تنفيذ مشروعاتهم بنجاح لضمان استمرارها وبالتالي تسديد القروض .
9- الأخذ بنظر الاعتبار التزامات المقترض تجاه المصارف الأخرى سواء كانت حكومية أو مصارف أهلية قبل حصوله على القرض .
10 - أن تعتمد خطة الائتمان السنوية لكل مصرف على مقدار الديون المتأخرة التسديد وان يتم تخفيض حجم الائتمان للمصارف التي لديها رصيد كبير من الديون المتعثرة ولا يزاد السقف الائتماني إلا للمصارف الناشطة في تحصيل الديون ٠
11 - التفاوت في حجم الصلاحيات الائتمانية الممنوحة لمدراء الفروع في منح التسهيلات حيث لا يمكن تعميمها على جميع الفروع بالتساوي بل حسب حجم الفرع وموقعه وعدد الزبائن وكفاءة وخبرة مدير الفرع
12 - إصدار قائمة سوداء بأسماء الزبائن المتلكئين وخاصة ذوي الأغراض غير الحسنة وممن قدموا وثائق مزورة إلى المصارف وعدم التعامل معهم ٠
13- تغيير الأسلوب المتبع حاليا في احتساب التقدير الكلي للزبون على أساس ممتلكاته الشخصية من عقار أو سكن أو سيارات ، والاقتصار على موجوداته المتعلقة بالنشاط الذي يمارسه فقط ٠
14 - وضع ضوابط لقبول خصم الكمبيالات ورفض كمبيالات المجاملة التي تشكل نسبة كبيرة من تسهيلات الزبائن والتي ينظمها الزبائن لأغراض الحصول على التسهيلات وليس لأغراض صفقات تجارية حقيقية ، والتحقق من ملاءة المدينين والمجيرين وقدرتهم المالية ٠
15 - وضع فقرة جديدة في عقود التسهيلات الممنوحة خاصة ذات المبالغ الكبيرة والقروض التنموية المتنوعة تتيح للمصرف حق متابعة تنفيذ استعمال الائتمان في أغراضه المحددة ٠
16 - اختيار القرار المناسب من قبل المصرف عند ظهور مشكلة القروض غير العاملة وعدم التباطؤ في اتخاذ القرار السليم لكل حالة على حدة ٠
16 - اختيار العاملين الأكفاء في إدارة الائتمان لغرض تقليص مخاطر الائتمان ٠




من أجل تفسير موضوعي لظاهرة التضخم في الاقتصاد العراقي

د.فلاح خلف الربيعي
تروج بعض الصحف العراقية هذه الأيام لمجموعة من التحليلات التي تربط بين الارتفاع الكبير الذي حدث في الأشهر الأخيرة في معدلات التضخم وبين قرار الحكومة المتعلق برفع أسعار المشتقات،و أقل ما يقال عن تلك التحليلات أنها تفتقر الى الموضوعية ،فظاهرة التضخم في العراق ظاهرة مركبة لا يساهم في تشكيلها عامل واحد فقط كالزيادة في أسعار المشتقات أو الزيادة في السيولة النقدية ،بل تعود الى عدد من العوامل النقدية و الحقيقية ،و هي ظاهرة غير نابعة من القطاع النقدي كما كانت في ظل النظام السابق ، بل أنها ظاهرة ناجمة عن الاختلالات في قطاع الإنتاجي الحقيقي ،حيث يعاني الاقتصاد العراقي من أختلالات هيكلية عميقة و تدهور في إنتاجية قطاعاته السلعية وبخاصة قطاع الزراعة والصناعة التحويلية.وبهدف تسليط الضوء على الأسباب الحقيقية التي ساهمت في وصول التضخم الى معدلاته الحالية سنتناول مفهوم التضخم ، وأثاره الاقتصادية ، واهم العوامل التي ساهمت في استفحاله في الاقتصاد العراقي .
أولا /مفهوم لتضخمالتضخم: "هو ظاهرة الارتفاع المستمر في المستوى العام للأسعار" أي أنه حركة مستمرة في المستوى العام للأسعار وبالاتجاه الصعودي سواء كان هذا الارتفاع ناتج عن زيادة في كمية النقد تجعل التيار النقدي أكبر من التيار السلعي أو أنه ناجم عن ارتفاع تكاليف الإنتاج أو ناجم عن وجود فائض في الطلب الكلي ، فضلا عن الدور المغذي للتوقعات التضخمية
ثانيا/ خصائص ظاهرة التضخم:-
بناء على تعريف التضخم يمكن أن نحدد الخصائص التالية لظاهرة التضخم:-
1- أن التضخم ظاهرة معقدة ومركبة ومتعددة الأبعاد ،فهي لا تقتصر على عامل واحد و أنما هي نتاج لعوامل متعددة ،قد تكون متعارضة فيما بينها .
2- أن التضخم ناتج عن اختلال العلاقات ألسعريه بين الأسعار النسبية (أسعار السلع والخدمات الاستهلاكية و الإنتاجية) من ناحية وبين أسعار عناصر الإنتاج ( مستوى الإرباح ومستوى الأجور ) من ناحية ثانية وهذا الاختلال سينعكس أثرة بشكل ارتفاع في مستوى الأسعار .
3-أن التضخم يعني في الحقيقة انخفاض القوة الشرائية لحاملي النقود لهذا فالتضخم يعمق حالة التفاوت بين دخول عناصر الإنتاج .
ثالثا /أنواع التضخم
1- تضخم جذب الطلب:- ويحدث عندما ترتفع الأسعار نتيجة لوجود فائض كبير في الطلب الكلي مقارنة بالعرض الكلي ( الانتاج المحلي والاستيراد) ، وفي هذه الحالة فإن زيادة الإنفاق في الاقتصاد القومي لا تمثل زيادة في الإنتاج الحقيقي بقدر ما تكون نتيجتها زيادة الأسعار .
2- التضخم الزاحف:- ويقصد به الارتفاع بمقدار 1 أو 2 أو 3% سنويًا في المستوى العام للأسعار، وهذا النوع من التضخم عليه خلاف بين الاقتصاديين حيث يرى بعضهم في نسبة الارتفاع البسيطة في الأسعار ستحفز عملية النمو الاقتصادي ، ففي أوقات التضخم الزاحف ترتفع أسعار السلع قبل ارتفاع أسعار الموارد فيؤدي ذلك إلى زيادة الأرباح مما يدفع رجال الأعمال إلى زيادة الاستثمارات. بينما يرى البعض الآخر أن الآثار التراكمية لمثل هذا التضخم تكون شديدة؛ فارتفاع سنوي قدره 3% في المستوى العام للأسعار إنما يعني مضاعفة المستوى العام للأسعار في حوالي 23 سنة، كما أن التضخم الزاحف يتضاعف بسرعة ويؤدي إلى التضخم الشديد الجامح.
3-التضخم الجامح:- وهو تضخم حلزوني تصاعدي في الأسعار والأجور؛ و هذا النوع من التضخم يغذي نفسه بنفسه. و يحدث في الغالب نتيجة لقيام الحكومة باستخدام سياسة "تنقيد الدين" أو طبع النقود لتمويل العجز في موازنتها ، وأشهر مثال على هذا النوع من التضخم هو ما شهده العراق خلال سنوات الحصار الاقتصادي ، حين قامت الحكومة بطبع النقود بمعدلات مرتفعة للغاية لتغطية العجز المستديم في ميزانيتها .

رابعا/ آثار التضخم
1-فقدان النقود لوظيفتها كمقياس للقيمة ومخزن للقيمة :- فكلما اشتدت موجة الغلاء انخفضت قيمة النقود مما يسبب اضطرابًا في المعاملات بين الدائنين والمدينين، وبين البائعين والمشترين، وبين المنتجين والمستهلكين، وتشيع الفوضى داخل الاقتصاد المحلي، وإذا حدث ذلك فقد يتخلَّى الناس عن عملة بلدهم، ويلجئون إلى مقاييس أخرى للقيمة كالدولار والذهب.هذا كله نتيجة العبث الذي يحدثه التضخم في منظومة الأسعار النسبية؛ أي أنه لو كانت جميع أسعار السلع والخدمات ترتفع بنسبة واحدة وفي نفس الوقت، ما كانت هناك مشكلات. لكن ما يحدث أنه في غمار موجة الغلاء توجد طائفة من السلع والخدمات ترتفع أسعارها بسرعة كبيرة، وطائفة أخرى قد تتغير ببطء، وهناك طائفة ثالثة تظل جامدة بلا تغيير وهذا الأمر يعود الى مرونات الطلب السعرية لتلك السلع ، التي يتحدد في ضوئها مقدار التغير النسبي في الكمية المطلوبة من السلعة نتيجة للتغير الذي حدث في سعرها بوحدة واحدة، ولهذا هناك من يستفيد وهناك من يُضار من هذا التضخم المستمر. 2- إعادة توزيع الدخل القومي بين طبقات المجتمع وبطريقة عشوائية:-يؤدي التضخم الى إعادة توزيع الدخل القومي بين طبقات المجتمع لصالح أصحاب الدخول المتغيرة مثل: التجار ورجال الأعمال، فتزيد دخولهم عادة مع تزايد مع معدلات التضخم، بل إنها في كثير من الحالات ترتفع بنسبة أكبر من نسبة ارتفاع المستوى العام للأسعار، وهم بذلك المستفيدون من هذا التضخم.في حين تتدهور الدخول الحقيقة لأصحاب الدخول الثابتة والمحدودة مثل: موظفي الحكومة والقطاع العام لذلك فهم المتضررون من التضخم؛ حيث إن دخولهم عادة ما تكون ثابتة، وحتى لو تغيرت فإنها تتغير ببطء شديد وبنسبة أقل من نسبة ارتفاع المستوى العام للأسعار .
3- إعادة توزيع الثروة القومية بين طبقات المجتمع وبطريقة عشوائية:- فالمدخرون لأصول مالية كالودائع طويلة الأجل في المصارف؛ غالبا ما يتعرضون لخسائر كبيرة؛ عندما تتعرض القيمة الحقيقية لمدخراتهم للتآكل سنة بعد الأخرى مع ارتفاع الأسعار، أما من يجسد مدخراته في أشكال عينية أو حقيقية كالأراضي والمعادن النفيسة؛ فهو المنتفع من ارتفاع الأسعار على هذا النحو. ومع الارتفاع المستمر للأسعار يدرك الناس أن الشراء اليوم عند مستويات الأسعار السائدة أفضل من الشراء في الغد حيث ترتفع الأسعار؛ فيسارعون إلى "الاكتناز" أي شراء السلع والتحف والمعادن النفيسة
4-التخلي عن العملة الوطنية واللجوء لعملة أجنبية أكثر ثباتًا في قيمتها:- وهو أمر ينعكس على تدهور سعر الصرف للعملة المحلية.
5- وسرعان ما يضر التضخم الآخذ في التصاعد بميزان المدفوعات للدولة، ومن ثم باقتصادها ككل ويتمثل ذلك في أوجه الآتية:
أ-تعرّض الصناعة المحلية لمنافسة شديدة من الخارج ، وما ينجم عن ذلك من طاقات عاطلة وبطالة وانخفاض في مستوى الدخل المحلي.
ب- نتيجة لزيادة الطلب على السلع المستوردة وانخفاض الطلب على السلع المحلية يزداد العجز في ميزان المدفوعات والذي تتطلب مواجهته إما استنزاف احتياجات البلاد من الذهب والعملات الأجنبية، أو اللجوء إلى الاستدانة الخارجية، أو تصفية ما تملكه الدولة من أصول بالخارج. ومع نمو العجز في الموازنة العامة ، كما حدث في العراق في سنوات الحصار ستلجأ الحكومة إلى زيادة ضخ عملتها المحلية فتتزايد كمية النقود دون أن يقابل هذه الزيادة زيادة مناظرة في حجم الناتج، مما يدفع الأسعار إلى مزيد من الارتفاع وتدخل الدولة في حلقة مفرغة.أما الأثر الاجتماعي الذي لا يمكننا إغفاله هو أن الغلاء المستمر يؤدي إلى تفشي الرشوة والفساد الإداري والتكسب غير المشروع وما إلى ذلك من معاملات فاسدة؛ حيث يلجأ الناس إلى هذه الأمور كخط دفاع لمواجهة التدهور المستمر الذي يحدث في دخولهم الحقيقية، ومن ثم في مستوى معيشتهم.. ولهذا فليس عجيبًا أن تكون البلاد المصابة بالتضخم هي أكثر البلاد تعرضًا للفساد.
خامسا/ متى أصيب العراق بعدوى التضخم
لم يعرف العراق قبل عقد السبعينات من العقد المنصرم أي نوع من أنواع التضخم ، وقد عرف التضخم كل أنواع التضخم بما في ذلك أكثر أنواعه فتكا ،عندما أبتلي خلال الفترة (1968- 2003 ) بحكومة ديكتاتورية فاسدة و فاقدة للضمير والحس الوطني، كما كانت حكومة تفتقر الى الرؤية والإرادة لتحقيق التنمية الاقتصادية ، فظلت تدير السلطة بدون سياسات اقتصادية وإنمائية واضحة، وضيعت الفرصة التي وفرتها موارد الريع النفطي التي تحققت في العراق خلال عقد السبعينات والثمانينات من القرن المنصرم ،و لم تفلح في استثمار تلك الموارد في إيجاد مصادر قوة اقتصادية وسياسية واجتماعية جديدة وفاعلة لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الديمقراطية والعدل الاجتماعي،و تمخض عن ذلك تعميق للاختلالات الهيكلية و تدمير جهود التنمية،فرغم غنى العراق بالموارد المادية والبشرية ألا أنه شهد خلال تلك الحقبة السوداء من تاريخه أسوء أنواع الاختلالات الاقتصادية .بفعل الاستغلال الجائر للثروة النفطية والموارد العامة للإنفاق على الحروب و ألأنشطة الأمنية والعسكرية ، وحالة الإهمال شبه الكامل لعملية التنمية وعملية الإصلاح الاقتصادي .وكان من الطبيعي أن تقود تلك الفوضى الاقتصادية الى المشاكل الكارثية التي واجهت العراق بعد ذلك ، وفي مقدمتها الحروب الثلاث المدمرة ، الأولى ضد إيران والثانية مع الكويت والثالثة انتهت باحتلال العراق وما رافق تلك الكوارث من مطالبات أبرزها :-
1-نشوء مطالبات بتعويضات جائرة وفرض نسبة تعويضات هائلة تستقطع من الإيرادات النفطية.
2- اللجوء الى استخدام السياسات المالية والنقدية التوسعية التي قادت الى التضخم الجامح و انهيار القوة الشرائية للعملة العراقية ،فتدنت حياة الملايين من العراقيين،وأصبح العيش بدون " البطاقة التموينية"مستحيل بالنسبة للسواد الأعظم من الناس، وبخاصةً ذوي الدخول الثابتة.كما أدى هذا التضخم الى إعادة توزيع الثروات لصالح فئات صغيرة متنفذة من التجار والفئات الطفيليةالتي تتمتع برعاية الحكومة.
3-مشاكل كارثيه أخرى رافقت الحروب والحصار الاقتصادي، كانتشار مظاهر الفساد الإداري والمالي، تدمير البيئة ،استنزاف الموارد الطبيعية ،تدمير نظم التعليم، والصحة، والغذاء ، وتآكل رأس المال الوطني ،تمزق النسيج الاجتماعي و بروز الاحتقان الطائفي، تدني القيم الأخلاقية بسبب الفاقة والعوز والخوف وانتشار الجريمة.

وكانت النتيجة الاقتصادية المترتبة على تلك المهالك هي دخول الاقتصاد العراقي في حالة من الركود الاقتصادي الطويل الأجل تمخضت عنه أسوأ أنواع الاختلال القطاعي ، وتعمقت خلاله حالة عدم التناسب بين القطاعات التي تمثل مصادر العرض السلعي المحلي من جانب والقطاعات التي تمثل روافد الطلب المحلي التي يتم تغذيتها بموارد الريع النفطي وبخاصة أنشطة الأمن والمخابرات والدفاع ،الأمر الذي عمل على تعميق الهوة بين القدرات الإنتاجية الحقيقية للاقتصاد الوطني والمعبر عنها بـالقيم المضافة المتولدة في قطاعي الصناعة التحويلية والزراعة ، والقدرات الاستهلاكية الكبيرة المتمثلة بالدخول المتولدة في هذه الأنشطة ، فضلا عن تفاقم الديون الخارجية المستحقة ، وتعاظم الانكشاف الغذائي ، وتعاظم معدلات التضخم المفتوح.

سادسا /دور الحكومات العراقية الانتقالية في استفحال التضخم .
رغم أهمية ما تحقق بعد 9/4/2003 من تحرر من الدكتاتورية والخوف والقمع الدموي والتمتع بالحريات الفردية والعامة وحرية العمل السياسي ، و التخلص من نسبة كبيرة من الديون الرسمية، ألا أن الحكومات الوطنية المتعاقبة بعد 30/6/2004 واجهت إخفاقاً في مجالات عديدة أهمها :-
1-التدهور المستمر في الملف الأمني .
2-الإخفاق في عملية إعادة أعمار البنية الإنتاجية و مشاريع البنية الأساسية والخدمات العامة المخربة ،وبخاصة في مجال صناعة تصفية النفط و قطاعات الكهرباء والمياه والصرف الصحي.
3- ارتفاع معدلات الفساد المالي والإداري بين الموظفين الكبار ،
4- منح الأولوية في عملية التوظيف للولاء الحزبي والطائفي و ليس لعنصر الكفاءة والنزاهة
5-لم يتحقق أي تقدم هام في عملية النمو الاقتصادي والتشغيل وتحسين مستويات المعيشة ، وخفض معدلات التضخم .

أن تلك الإخفاقات ساهمت في تعميق الاختلالات السابقة في الهيكل الإنتاجي واستفحال ظاهرة التضخم ، وقد ارتبط ذلك الإخفاق بعاملين مهمين ، الأول :- هو انكماش إيرادات النفط وتدهور عملية انتاج المشتقات النفطية.والثاني:- هو اتساع نطاق العمليات الإرهابية وتدهور الوضع الأمني وبشكل خاص عمليات التخريب الواسعة النطاق التي لحقت بالبنية الإنتاجية والبنية التحتية،و بخاصة في قطاع الماء والكهرباء ، وقد ترك هذان الحدثان بصمتيهما الواضحتين على الأولويات القطاعية لصانعي السياسة الاقتصادية وبالتالي على آلية التصرف في الموارد الإنتاجية المتاحة ، فقد أخذت عملية تخصيص الموارد المالية وكذلك تجارة الاستيراد ، تتحيز بشكل واضح لصالح الأنشطة الخدمية التي تتصل بشكل مباشر بعملية تحقيق الاستقرار الأمني، وهي نشاط الإدارة العامة والأمن والدفاع الى جانب الأنشطة ذات الصلة بحياة الناس اليومية كالصحة والتعليم والخدمات البلدية ،ومن الطبيعي أن يأتي هذا التركيز على حساب الإهمال النسبي للأنشطة الإنتاجية ، وتمثل ذلك بعدم تخصيص المبالغ الكافية لإعادة أعمار البنية الإنتاجية والبنية التحتية بخاصة ذات الصلة بالنشاط الإنتاجي في قطاع الماء والكهرباء ،وكان الوضع أكثر تفاقما في قطاع الصناعة التحويلية ،مقارنة بالقطاع الزراعي الذي حظي ببعض الاهتمام بسبب الضغط الشعبي ووجود الصعوبات الأمنية التي ترافق عمليات استيراد السلع الزراعية والمواد الغذائية من دول الجوار فضلا عن النقص في العملات الأجنبية .ومن الطبيعي أن ينعكس ذلك بشكل ركود نسبي في مجموعة الأنشطة السلعية المسؤولة عن زيادة حجم العرض الإنتاجي الحقيقي و انتعاش في مجموعة الأنشطة الخدمية المغذية للطلب الفعلي ، كما انعكس هذا الاختلال بين هاتين المجموعتين على عدد غير قليل من العلاقات الاقتصادية فاختلت العلاقة بين الانتاج والاستهلاك ومن ثم الــــــعلاقة بــــين العرض والطلب فضلاً على الاختلال الموروث من النظام السابق بين الرأسمال الإنتاجي المباشر والرأسمال الاجـــــتماعي الذي تعمق بسبب عمليات التخريب ، كما تعمق الاختلال بين الـــــــقدرات المـــــحليــــة علـــــى تحقيق الاكـــــتفاء الــذاتــــي والـتـنمية الانـدفاعيـة من جهة وبين التبعية المتفاقمة الاقتصادات المتقدمة من جهة أخرى . وأخيرا انعكست الاختلالات السابقة على مستويات الأسعار بالتضخم المفتوح ، وعلى الموارد البشرية بالهدر والتخلف وتدهور الإنتاجية.
.
سابعا / ما المطلوب من الحكومة العراقية المنتخبة
بناءا على ما تقدم نجد أن في مقدمة المهام التي تواجه حكومة المالكي ما يأتي :-
1- تحديد واضح لبرنامجها لإنعاش الاقتصاد العراقي وبخاصة من حيث :-
أ- وضع جدول الزمني لبناء المصافي ومعالجة أزمة المحروقات ، وجدول زمني تحدد فيه مدى قابليتها على زيادة العوائد النفطية
ب-تحديد للسياسات التي ستتبناها من اجل تخفيض أعباء الديون الخارجية والتعويضات
ت- تحديد لخطوات الإصلاح الاقتصادي التي ستتبناها لمواجهة الاختلال في الهيكل الإنتاجي ومشاكل البطالة والتضخم ،مع ضرورة تحديد معدلات النمو السنوية التي ستتحقق في الناتج المحلي الإجمالي، ودخل الفرد ، ومعدل انخفاض البطالة .ث- التغييرات التي ستجريها لرفع كفاءة الأداء الاقتصادي من خلال محاربة الفساد الإداري والاقتصادي.
ح- الجدول الزمني الذي ترى أنه يمكن أن يحقق التناسب بين انسحاب قوات الاحتلال و تطوير القوات المسلحة العراقية
خ-حجم المنح والمساعدات الدولية التي يمكن أن تتلقاها من الدول ومؤسسات التمويل الدولية
ج- وضع السيناريوهات التي تحدد إمكانيات النجاح في تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي الداخلي .
2- عند تبني سياسات التحرير الاقتصادي ، من الضروري أن يرافق تلك السياسات :-
أ- وضع تشريعات وضوابط منظمة للسوق وقوانين تضمن حقوق العاملين وحرية التنظيم المهني والنقابي وتحفظ حقوق المستهلكين وتضمن للأطراف المتعاقدة تطبيق شروط المنافسة، وتؤمن السيطرة النوعية على المنتجات والسلع المتداولة، إضافة إلى التأكيد على تعزيز دور أجهزة الرقابة المالية للدولة في هذه العملية.
ب-تقوية شبكات الضمان الاجتماعي للعراقيين
ت- الارتقاء بالخدمات الاجتماعية، كالخدمات الصحية و التعليمية الأساسية مع ضرورة الحرص على تقديمها مجاناً، واعتبار التمتع بها حقاً شاملاً من حقوق المواطنة والإقامة على أرض العراق والمطالبة بإلغاء نظام التمويل الذاتي.
ث- معالجة أزمة السكن عبر الجمع بين مشاريع إسكانية تمولها الدولة للفئات الضعيفة الدخل وتيسير الإقراض العقاري للفئات المتوسطة الدخل.
وأخيرا فأن أمام الحكومة الجديدة مهمة معقدة جداً..لا تحسد عليها ، فعليها أن تثبت بأن لديها أمكانية للجمع بين أبعاد المثلث الصعب ،وهو قوة الحكومة بمعيار قدرتها على تحقيق الاستقرار الأمني ،ووجود الضمير والحس الوطني لدى مسؤوليها بمعيار قدرتها على البدء بتطبيق معايير العدالة الاجتماعية وعدم التفرقة بين فئات وطوائف الشعب العراقي وحركاته السياسية المختلفة ، ووجود البرنامج الاقتصادي الناجح بمعيار القدرة على رفع معدلات النمو الاقتصادي وتخفيض معدلات التضخم ، والبدء ببرنامج لتحقيق التنمية وتصحيح الاختلالات الهيكلية .







سبل تفعيل دور الإعلام الاقتصادي في عملية التنمية في العراق

د.فلاح خلف الربيعي
تساهم التغطية الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية والإلكترونية للشؤون الاقتصادية في التعريف بالنشاط الاقتصادي عن طريق نشر الأخبار والآراء والتحليلات وتفسير المصطلحات الاقتصادية المعقدة ونشر المعلومات التي تشمل على الحقائق والأرقام والإحصائيات والدراسات والأبحاث. وتنفرد الصحافة في عملية توثيق المعلومات والتحليل والتفسير المستند على استخدام أدوات البحث العلمي في العمل الصحافي، وإجراء استطلاعات الرأي لمعرفة اتجاهات الجمهور حول قضايا التنمية والاستثمار، والقاعدة الأساسية لكل وسائل الإعلام هي أنها مجرد قنوات توصيل كفوء بين وسط الأعمال والجمهور الأوسع، وبالتالي فأن الأخبار والتحليلات الاقتصادية ليست الا مؤشرات ولا يجوز استخدامها كأساس لأجراء الصفقات الاقتصادية .
والإعلام الاقتصادي نشاط شامل ومخطط ومتعدد الأبعاد يخاطب الرأي العام بهدف إقناعه بضرورة المشاركة الايجابية في عملية التنمية والإصلاح الاقتصادي وبرامج إعادة الأعمار الاجتماعي عبر تقديم صورة عن طبيعة التوجهات المستقبلية للاقتصاد والتعريف بالنشاطات والفعاليات الاقتصادية والتنموية والطاقات المتاحة وتشجيع حركة التبادل الاقتصادي والاستثماري بشتى مجالاته وصوره من خلال ما يسمى بالاتصال المعزز للتنمية،الذي يهدف إلى نشر ثقافة التنمية بعرض وتبسيط وشرح وتفسير وتحليل المضامين الاقتصادية في قوالب إعلامية مهنية جاذبة لخدمة أهداف التعليم والتثقيف ونشر المعلومات وتنشئة المجتمع على مفاهيم تنموية تخدم مصالحهم وتمس حياتهم اليومية ومستقبل أجيالهم. ويرتبط تطور أداء الإعلام الاقتصادي ارتباطاً وثيقاً برغبة الدولة في تحسين المناخ الاقتصادي وتوسيع دائرة المشاركة في عملية صنع القرار الاقتصادي، وتحسين درجة الشفافية وقبول الانتقاد.ولضمان نجاح الإعلام في نشر التنمية لابد من وجود رؤية واضحة وإستراتيجية للإعلام الاقتصادي والاقتصادي، تهدف الى إبراز فلسفة التنمية وتوجهاتها، واستخدام أدوات البحث العلمي لزيادة المقدرات الإعلامية على التحليل والاستقراء، والمهنية والمصداقية واحترام الحرية الصحافية والاستقلالية في تحديد مشكلات وقضايا وتحديات التنمية،والاستفادة من العلم والتكنولوجيا الإعلامية والثورة التقنية، لبناء قاعدة معلومات وتحليلات يستفاد منها في وضع استراتيجيات وتحليل السياسات.وتساهم وحدات للإعلام الاقتصادي المعززة لدور التنمية في توجيه سلوك المواطنين، وحضهم على تحمل مسؤولياتهم في مجالات إعادة الأعمار والتنمية، وإبراز وجهة نظر المجتمعات المحلية وعمل تسويق اجتماعي للمشروعات التنمية، بتحويل الصحف ووسائل الإعلام الأخرى الى مواقع لعرض نتائج الدراسات العلمية الاقتصادية، ومنابر لتبادل الأفكار والآراء الاقتصادية والمعالجات الواقعية لقضايا وهموم التنمية، عبر حضورها بقوة في الفعاليات الاقتصادية وتواصلها مع الحركة الأكاديمية في هذا المجال، واختيار المعلومات والموضوعات بشكل دقيق وجذاب واستخدام أساليب مشوقه من اجل جذب كل شرائح المجتمع للتفاعل مع الوسائل الإعلامية في مجال الإعلام الاقتصادي والاقتصادي.
ولتفعيل دور الإعلام الاقتصادي في العراق ينبغي أن يركز الخطاب الإعلامي على القضايا الآتية :-
1-التعريف بالتحديات التي تواجه عملية التنمية في العراق وبخاصة مشكلة الفساد الإداري والمالي .
2- التعريف بعناصر القوة والضعف في الاقتصاد العراقي،وتحديد طبيعة الدور الذي يمكن أن تلعبه كل من أدوات السوق والتخطيط الاقتصادي في عملية التنويع والتغيرات الهيكلية وتحفيز القطاعات الإنتاجية وبخاصة قطاع الزراعة والصناعة والتحويلية، على أجراء عملية التصحيح للهيكل الإنتاجي .
3- بلورة الأفكار المتصلة باقتصاد السوق ومزايا الحرية الاقتصادية وتعزيز دور القطاع الخاص في الإنتاج وخلق الوظائف وبتوسيع نشاط المشروعات الصغيرة والمتوسطة.باعتبارها شرطاً لازماً لزيادة إنتاجية المجتمع وإطلاق طاقاته وتنمية روح التنافس بين قطاعات النشاط الاقتصادي وخلق الثقافة الوعي الاقتصادي الذي يمكن أن يساعد على تفعيل المشاركة الايجابية مع المتغيرات الناجمة عن التحول نحو اقتصاد السوق
4-التصدي للظواهر الاقتصادية ذات الصلة بحياة المواطن كأزمات توزيع المشتقات النفطية والكهرباء والخدمات الأخرى وظاهرة التضخم وتحسين الأجور والرواتب للنهوض بمستوى معيشة الشرائح المختلفة
5-متابعة التقدم المحرز في مجال التنمية البشرية، وتوسيع خيارات الناس، وتنمية الموارد البشرية، ومشكلة البطالة والقضايا الأخرى ذات الصلة بالسكان والقوى العاملة ومتطلبات سوق العمل.
6-الاهتمام بالقضايا المتعلقة بعلاقة الاقتصاد العراقي بالعالم الخارجي وفي مقدمتها الانفتاح الاقتصادي والعولمة والاتفاقيات التجارية الثنائية والمتعددة الأطراف والمناطق الحرة، وسبل زيادة التدفقات المالية الواردة والاستثمار الأجنبي المباشر والاستفادة من مزايا العولمة والانفتاح التجاري والاقتصادي .
7-الابتعاد بقدر الإمكان عن توجيه الجمهور نحو مجالات استثمارية معينة،لتجنب ما قد يترتب على هذا التوجيه من مكاسب أو خسائر يمكن أن تلقى بتبعاتها على وسيلة الإعلام. فقد يلجأ بعض العاملين في وسائل إعلام الى تضليل المستثمرين من خلال تقديم ن لهم بشراء أسهم تراجع سعرها في السوق،من دون الارتكاز على أية تحاليل أو دراسات مهنية
8-الاهتمام بقضايا البيئة وقضية التوافق بين النمو ولاعتبارات البيئية والاستخدام الرشيد للموارد .
9-إضفاء طابع مشوق على الإخبار الاقتصادية للتخفيف من التعقيد والملل الذي قد يصيب القارئ أثناء مطالعة الإحصاءات والحقائق الاقتصادية وعدم التركيز على النخبة، فيما المواطن العادي مهمل وغير مدرج ضمن أجندة التوعية والتوجه الإعلامي
10-فتح باب النقاش حول القضايا التنموية، لإنعاش الوعي التنموي للمجتمع العراقي .
11-التقليل بقدر الإمكان من الإعلانات التي تحرض على زيادة الاستهلاك،والتوعية بأهمية زيادة الادخار .12-وضع استراتيجيات وخطط آنية ومستقبلية للنهوض بالمستوى الفني للمنتج الإعلامي المحلي المقروء والمسموع والمرئي والالكتروني في ظل التدفق المطرد للمعلومات والتطورات التقنية العالمية .


العلاقة بين إجراءات السياسة المالية و أداء القطــــاع المصرفي في العراق

د. فلاح خلف الربيعي
يرتبط نجاح الإصلاح المالي والمصرفي بمدى نجاح المؤسسات المصرفية وأسواق رأس المال في مهمة توسيع وتعميق الوساطة المالية بين وحدات الفائض ( القطاع العائلي ) ووحدات العجز (قطاع الأعمال)،وبعبارة أخرى
بمدى نجاحها في تعبئة المدخرات لتمويل النشاط الإنتاجي وزيادة حجم الاستثمارات وزيادة كفاءة عملية تخصيص الموارد للدفع بعملية التنمية.والإخفاق في هذه المهمة ستكون له انعكاسات اقتصادية واجتماعية سلبية.وتلعب السياسة المالية دورا حيويا في تسهيل أو تعقيد هذه المهمة.وتهدف هذه المقالة إلى توضيح طبيعة العلاقة بين الأساليب التي تستخدمها السياسة المالية في تمويل العجز في الموازنة العامة و أداء القطاع المصرفي في العراق.السياسة المالية خلال الفترة 1980-2003 :- تميزت هذه المرحلة بهيمنة إجراءات السياسة المالية على قرارات البنك المركزي ،الذي كان يفتقر لأي شخصية أو استقلالية. وفي ظل ذيلية السياسة النقدية وتبعيتها الكاملة للسياسة المالية، اعتمدت السياسة المالية على طريقة تنقيد الدين أي الاقتراض المباشر من البنك المركزي،والأداة الائتمانية المستخدمة في ذلك هي طبع النقود لتمويل العجز في الموازنة العامة،وأدت هذه السياسة إلى ارتفاع كبير في معدلات التضخم سببته الزيادة المستمرة في معدلات نمو عرض النقد من النقود عالية القوة مقارنة مع معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي. وتفاقم هذا الاتجاه بعد فرض الحصار الاقتصادي خلال الفترة (1990-2003)حيث شهدت هذه الفترة حالة من الانفلات أو عدم الانضباط المالي والنقدي فوصلت معدلات التضخم إلى المستوى الجامح الذي لا يمكن السيطرة عليه باستخدام الأدوات التقليدية للسياسة النقدية والسياسة المالية،ومما زاد الأمور تفاقما أن تلك السياسات قد اقترنت بممارسة الكبح المالي أي بفرض أسعار فائدة إدارية وبمعدلات ثابتة على الإقراض والإيداع،و بعيدا عن التغييرات في معدلات التضخم في الاقتصاد،ومن الطبيعي في هذه الأحوال أن تكون أسعار الفائدة الحقيقية سالبة،وأدت تلك السياسات إلى نشوء ظاهرة هروب الودائع من المصارف وتوظيفها في مجالات غير إنتاجية الأمر الذي عمق من حالة الركود الاقتصادي.السياسة المالية بعد 2003 :-شهدت هذه الفترة صدور القانون الجديد للبنك المركزي العراقي الذي كرس استقلالية البنك المركزي في إدارة السياسة النقدية،وكان من أبرز ملامح تلك الاستقلالية قرار البنك المتعلق بالتوقف عن طبع النقود لتمويل العجز في الموازنة العامة ،لذا لجأت الحكومة إلى استخدام الأسلوب البديل وهو التمويل بالدين والأداة الائتمانية المستخدمة في ذلك هي إصدار السندات أو إذونات الخزينة وبيعها إلى المصارف التجارية وسوق الأوراق المالية لتوفير التمويل،ومن مزايا هذه السياسة أنها لا تؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم لأنها لا تؤدي إلى الزيادة في معدلات نمو عرض النقد من النقود عالية القوة،وهي تعمل فقط على نقل القوة الشرائية من الجمهور إلى الحكومة. ألا أن زيادة الاستدانة باستخدام أسلوب المزاد و كما يحصل حاليا أدى إلى رفع معدلات الفائدة الحقيقية في القطاع المصرفي ،خصوصا بعد أن تحرر هذا السعر من إجراءات الكبح المالي بعد قيام البنك المركزي في عام 2004 بتعويم أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض ومنح البنوك التجارية حرية تحديد أسعار الفائدة. غير أن لجوء الحكومة بشكل متزايد إلى التمويل بالدين قد أدى إلى زيادة الضغط على الاستثمار الخاص وهو ما يعرف بالإزاحة خارجا (crowding out ) وقد أدى ذلك الاتجاه إلى رفع أسعار الفائدة وزيادة تكلفة الاقتراض وسيقود في النهاية إلى عزوف القطاع الخاص عن الاستدانة من البنوك التجارية. فدخول الحكومة كمنافس للقطاع الخاص على الموارد المالية المتاحة. قد رفع من مستوى الطلب الكلي على القروض وأدى إلى ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية. وسيؤدي ذلك إلى تخفيض مشتريات المستهلكين وخاصة من السلع المعمرة و السلع الأخرى التي تتطلب الاقتراض من المصارف وبخاصة السلع الحساسة لأسعار الفائدة كالسيارات والعقارات،كما سترتفع تكلفة الفرص البديلة للمشاريع الاستثمارية مما يجبر قطاع الأعمال على تأجيل الإنفاق على تلك المشاريع.وهكذا فان ارتفاع سعر الفائدة الحقيقي الذي سببه العجز في الموازنة سيضغط أو سيزيح الإنفاق الخاص عموما الإنفاق الاستثماري.هذا فضلا عن الدور الذي تلعبه التوقعات التضخمية التي ترافق العجز في الموازنة العامة ،التي ستدفع المصارف إلى رفع سعر الفائدة على الودائع المتوسطة والطويلة الأجل ، كما حدث مؤخرا.ويمكن التخفيف من آثار تلك السياسة من خلال ممارسة الشفافية في الإعلان عن مؤشرات السياسة المالية المستقبلية وبخاصة مؤشرات الإنفاق الحكومي ومعدلات الدين العام ومعدلات الضرائب التي سيكون لها اثر ايجابي على بنية الودائع من حيث آجلها الزمني.لأن الضبابية وعدم وضوح تلك المؤشرات سيؤثر سلبا على قدرة قطاع الأعمال على الاقتراض لتمويل استثماراته وبالتالي ستتقلص الفرص أمام القطاع المصرفي لتوظيف موارده المالية،كما أن القرارات الصائبة لقطاع الأعمال ستكون بحاجة إلى وجود نظام مالي شفاف يرفع من مستوى ثقة المستثمر ويقنعه بتوجيه استثماراته نحو المجالات التي ستزيد من حجم الطاقات الإنتاجية أو تزيد من فرص التشغيل.

الصناعات الصغيرة والمتوسطة في العراق .. الواقع والآفاق

د. فلاح خلف الربيعي
تواجه السياسة الصناعية في العراق اليوم مهمة تغيير اتجاهات التصنيع Industrialization Oriented وذلك بالتحول من تبني وتشجيع الصناعات الكبيرة التي يديرها القطاع العام بتمويل من موارد الريع النفطي الى تشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة

التي يديرها القطاع الخاص، وتفرض هذا التحول مجموعة من الظروف المحلية والدولية، فعلى الصعيد المحلي يعود الى البدء بتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي والتحول نحو اقتصاد السوق وما يتطلبه ذلك من تحرير للأنشطة الاقتصادية وفي مقدمتها الأنشطة الصناعية. أما على الصعيد الدولي فيعود الى التسارع في خطى التقدم التكنولوجي والعولمة الاقتصادية، وما رافقها من تفكيك للصناعات الكبيرة الى عدد من الوحدات الإنتاجية الصغيرة وتوزيعها على مختلف دول العالم بحسب الميزة النسبية والكفاءة الإنتاجية، لتتقدم بذلك اعتبارات الكفاءة الإنتاجية والجودة والقدرة التنافسية التصديرية على الاعتبارات الاخرى في عملية تبادل السلع الصناعية في الأسواق الدولية. وتنبهت إستراتيجية التنمية الوطنية 2005- 2007 الى هذه التطورات، فأوصت بضرورة تشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة وإيجاد آليات تمويلية ملائمة لها في السنوات القادمة.
أولاً/ الأهمية الاقتصادية للصناعات الصغيرة والمتوسطةويمكن إيجازها بما يأتي:1- يمكن أن تساعد الصناعات الصغيرة والمتوسطة مقارنة بالصناعات الكبيرة على تعزيز الاستقلال الاقتصادي لكونها تعتمد على الموارد والإمكانات المحلية المتاحة ولا تستورد إلا نسبة قليلة من مدخلات الإنتاج. في حين تميزت الصناعات الكبيرة في العراق باعتمادها الشديد على المدخلات والتجهيزات الرأسمالية المستوردة، وهذه التبعية للصناعة الأجنبية جعلت مصير عملية الإنتاج الصناعي في العراق مرهونة بظروف الاستيراد، التي واجهت صعوبات عديدة اقتصادية وسياسية بعد منتصف عقد الثمانينيات من القرن المنصرم، أدت الى انخفاض نسب استغلال الطاقات الإنتاجية، وارتفاع تكاليف الإنتاج ومن ثم ظهور حالات التوقف الجزئي أو الكلي للعديد من المنشآت الصناعية.2- يمكن أن تساعد الصناعات الصغيرة والمتوسطة مقارنة بالصناعات الكبيرة على حل مشكلة البطالة في العراق، لكونها تستخدم الأساليب الإنتاجية كثيفة العمل لذلك فأن نشر هذا النوع من الصناعات سيؤدي إلى رفع من معدلات تشغيل القوى العاملة في حين تميزت الصناعات الكبيرة في العراق بكونها تستخدم الأساليب الإنتاجية كثيفة الرأسمال ولا تستخدم الا نسبة قليلة من القوى العاملة.3- تساعد الصناعات الصغيرة والمتوسطة على تعزيز حالة التكامل الصناعي إذا تم توجيهها للعمل كفروع ثانوية للصناعات الكبيرة، وبما يعزز من حالة الازدواج في الهيكل الصناعي.4- لا تحتاج تلك الصناعات إلى رأس مال كبير أو تكنولوجيا متطورة، كما لا تحتاج الى مستوى مرتفع من المهارات والكفاءات الإنتاجية والإدارية، وهذا الأمر يجعلها تتناسب مع الإمكانات الاستثمارية والتكنيكية والإدارية المحدودة في العراق.5- تتميز تلك الصناعات بقدرتها على التكيف مع ظروف العراق الحالية من حيث النقص في مرافق البنية الأساسية وعناصر رأس المال الفوقي الاجتماعي الأخرى وبخاصة النقص في الطاقة الكهربائية والوقود والمياه ورداءة طرق الموصلات.6- أن التوسع فيها سيخدم هدف العدالة في توزيع الدخول فحاجتها الى إمكانات استثمارية متواضعة سيسمح لعدد كبير من أفراد المجتمع الدخول الى تلك الصناعات، وهذا الأمر سيساعد على توسيع حجم الطبقة المتوسطة وتقليص حجم الطبقة الفقيرة. في حين تحتاج عملية الاستثمار في الصناعات الكبيرة إلى إمكانات استثمارية ضخمة، وستدفع نحو زيادة حجم التفاوت الطبقي الاجتماعي.7- تتميز تلك الصناعات بمرونة الانتشار الموقعي ما يجعلها عنصراً مساعداً في عملية تحقيق التنمية المتوازنة وتقليص التفاوت بين الأقاليم المختلفة في العراق. 8- تتميز بقابليتها على التوافق مع التغييرات المستمرة المصاحبة للتطور التكنولوجي والتغييرات في أنماط الطلب الاستهلاكي.الواقع الإنتاجي للصناعات الصغيرة والمتوسطة في العراقيمكن الحكم على أهمية الصناعات الصغيرة والمتوسطة في العراق من خلال التعرف على حجم مساهمتها في القيمة المضافة لقطاع الصناعة التحويلية. وفي دراسة أجراها الباحث لتحليل تلك المساهمة خلال الفترة (1980-2002) توصل الى النتائج آلاتية:1- أن (92%) من تلك المساهمة تتركز في خمسة فروع هي على التوالي الصيانة والتصليح (24%) الصناعة الغذائية (22%) والنسيجية (20%) وصناعة المواد الإنشائية (15%)، وصناعة المواد الكيماوية والأصباغ(11%)، أما النسب المتبقية فتعود الى صناعة الأخشاب والأثاث التي ساهمت بـ(5%) والورق والطباعة التي ساهمت بـ(3%).2- هناك اتجاه واضح لتخلي تلك الصناعات عن الإنتاج السلعي تدريجياً وتخصصها في الخدمات الصناعية، لكونها تحتاج الى تقنيات متواضعة وتحقق أرباحا مجزية.3- ارتبط التوسع في صناعة المواد الإنشائية بالتوسع المستمر في الطلب على المواد الإنشائية، لضخامة ما جرى من عمليات اعمار، إعادة إعمار، ما خربته الحروب.4- ان سياسات التصنيع التي تم تبنيها خلال الفترة (1980-2002) قد كرست الفجوة التخصصية في الصناعة العراقية، فتخصصت الصناعات الكبيرة في الصناعات البتروكيماوية وصناعة تصفية النفط، التي تستخدم التكنولوجيا كثيفة الرأسمال، ولا تستوعب إلا نسبة قليلة من الأيدي العاملة، أما الصناعات الصغيرة والمتوسطة فتخصصت في خدمات الصيانة والتصليح، ولم يأتِ التوسع في الحالتين ضمن نمط تكاملي، يراعيِ الترابطات الإنتاجية بين الفروع الصناعية، فبقيت الصناعات الصغيرة والمتوسطة تعمل كأقسام منفصلة عن المنشآت الكبيرة. وهذا يعني ان التوسع المذكور قد أهمل الهدف الإستراتيجي الذي يدعو الى ضرورة الحفاظ على حالة الازدواج في الهيكل الصناعي كاتجاه قوي وصحي لتحقيق التفاعل الديناميكي بين السعات الإنتاجية المختلفة.ثانياً: الصعوبات التي تواجه الصناعات الصغيرة والمتوسطةتواجه الصناعات الصغيرة والمتوسطة في العراق كما في باقي دول العالم النامية بعض المشاكل والصعوبات التي تحد من قدرتها على العمل من أهمها: 1- الصعوبات التمويلية: التي يمكن تلخيصها فيما يأتي:أ- أنها تعتمد في الغالب على التمويل الذاتي وعلى إمكانياتها المالية المحدودة.ب- من الصعب عليها زيادة أموالها عن طريق طرح أسهم إصدار سندات للاقتراض.ج- تردد المصارف التجارية في منحها القروض القصيرة أو طويلة الأجل. 2- الصعوبات التسويقية والإدارية: ومن أهمها.أ- ضعف الكفاءة التسويقية نتيجة لعدم قدرتها لتوفير معلومات عن السوق المحلي والخارجي وأذواق المستهلكين بالإضافة إلى مشاكل ارتفاع تكاليف النقل وتأخر العملاء في تسديد قيمة المبيعات وعدم دعم المنتج الوطني بالدرجة الكافية.ب- عدم وجود منافذ تسويقية منتظمة لتعريف المستهلك المحلي والخارجي بمنتجات وخدمات هذه المؤسسات فضلاً عن ضيق نطاق السوق المحلي.ج- تفضيل المستهلك المحلي للمنتجات الأجنبية المماثلة في بعض الأحيان بدافع التقليد أو المحاكاة أو لاعتياده على استخدام هذه السلع الأجنبية ما يحد من حجم الطلب على المنتجات المحلية.د- قيام بعض المؤسسات الأجنبية بإتباع سياسات الإغراق لتوفير منتجاتها للأسواق المحلية بأسعار لا يمكن للمنتج المحلي مجاراتها، ما يؤدي إلى ضعف الموقف التنافسي لهذه الصناعات.هـ- ارتفاع الأعباء التسويقية تتحملها هذه الصناعات، نتيجة لجوئها إلى البيع المباشر للمستهلك النهائي أو المستخدم الصناعي أو بالبيع لتجار التجزئة الصغار. و- عدم إتباع الأساليب الحديثة في الإدارة، نتيجة لوجود المدير المالك الذي يجمع عادة بين وظائف الإدارة والتمويل والتسويق.ز- تعاني معظم هذه الصناعات من ضعف معرفتها بقواعد وأساليب التعامل مع الجهات الإدارية الرسمية، ما يعقد من الإجراءات المتعلقة بإنجاز معاملاتها.ح- نقص المعلومات والإحصاءات المتاحة لدى هذه المؤسسات فيما يتعلق بالمؤسسات المنافسة وشروط ومواصفات السلع المنتجة وأنظمة ولوائح العمل والتأمينات الاجتماعية.3- الصعوبات التكنيكية: تعود في الغالب الى ضعف خبرة مالكي هذه المؤسسات، الذي يقود إلى إخفاقها تحقيق أهدافها. ويحد من قدرتها على التصدير، كما إنها تلجأ إلى استخدام أجهزة ومعدات بدائية مقارنة بالصناعات الكبيرة، ولا تتبع أساليب الصيانة التي تساعدها على تحسين جودة منتجاتها لتتماشى مع المواصفات العالمية. كما ان اختيارها للمواد الخام ومستلزمات الإنتاج، قد لا يخضع لمعايير فنية وهندسية مدروسة.شروط تنمية وتطوير الصناعات الصغيرة والمتوسطة في العراقلتشجيع الصناعات الصناعية الصغيرة والمتوسطة وإيجاد آليات تمويلية ملائمة لها لا بد من مراعاة الشروط آلاتية:
1- إرشاد المستثمرين لاختيار المشاريع الصناعية التي تتناسب مع الوضع الصناعي التي تتمتع بشروط الجدوى الاقتصادية. مع ضرورة الحرص على تزويدهم بالمعلومات المتعلقة بإنشاء المشاريع الصغيرة والمتوسطة من خلال شبكات معلومات عالمية ومحلية.
2- توفير الغطاء التنظيمي والقانوني الخاص بالصناعات الصغيرة والمتوسطة.
3- ضرورة أن تشتمل برامج الدعم والمساندة لهذه المنشآت أجراء دراسات الجدوى الاقتصادية لرفع مستوى الكفاءة الإنتاجية لهذه الصناعات، وتحسين إمكاناتها على التجهيز والتسويق.
4- العمل على إيجاد نظام تمويلي متكامل لمساعدة ودعم هذه المؤسسات من خلال. أ- تدعيم دور المصرف الصناعي في مجال تقديم القروض لهذه المؤسسات بشروط ميسرة في السداد.ب- تشجيع المصارف التجارية على تقديم القروض اللازمة لهذه المؤسسات مع تخفيف الضمانات المطلوبة.
5- الحرص على تطبيق المعايير الدولية المعتمدة في مجال تحسين جودة الإنتاج.6
6- تدعيم جهود هذه المؤسسات في البحث عن أسواق جديدة في الداخل والخارج والافادة من برامج الدعم والتعاون الفني التي تقدمها المؤسسات الدولية والإقليمية
.7- زيادة التسهيلات والدعم الحكومي المقدم لهذه المؤسسات مع مراعاة ما يلي:أ- زيادة الاهتمام بتطوير المرافق المختلفة في المناطق الصناعية بما يمكنها من تخفيض تكاليف الإنتاج وزيادة قدرتها التنافسية.ب- تخفيض تكلفة الإعلان والدعاية والترويج لمنتجات وخدمات هذه المؤسسات، وتسهيل مشاركتها في المعارض السنوية والموسمية. ج- ضرورة التأكيد على بناء المجمعات الصناعية المتكاملة للصناعات الصغيرة والمتوسطة مع أعادة توطين المجمعات الصناعية الحضرية، لتحقيق أقصى كفاءة مكانية لجميع المنشات، ولحماية الصناعات الصغيرة والمتوسطة من الحالات السلبية للاحتكاك المباشر بالصناعات الكبيرة.

أهمية العامل الإداري لعملية التنمية في العراق

د.فلاح خلف الربيعي
تعم أجهزة الدولة في العراق ومنذ سقوط النظام السابق في نيسان 2003، حالة من الفوضى الإدارية،ساهمت في تكريسها عدة عوامل أبرزها: الفوضى التي رافقت إدارة الاحتلال (خلال فترة إدارة بريمر) فضلا عن ضعف مستوى كفاءة الوزارات والأجهزة الحكومية الوطنية التي جاءت بعد استلام السيادة في حزيران2004 ،فمعظم هذه الأجهزة قد انبثقت عن عمليات المحاصصة الطائفية، وما تطلبته من تغليب الاعتبارات الطائفية والحزبية على اعتبارات التخصص الأكاديمي والكفاءة والنزاهة، ومن الطبيعي أن يقود هذا الوضع الى تكريس حالة من التخلف الإداري وشيوع مظاهر البيروقراطية والفساد الإداري والمالي، وبطء عمليات إعادة الأعمار والركود الاقتصادي، أن هذه التطورات تدعونا الى التذكير بأهمية العامل الإداري لعملية التنمية الاقتصادية، وهذا ما تهدف إليه هذه المقالة .
تطور الاهتمام بالعامل الإداري :
حتى نهاية الحرب العالمية الثانية ، ظل اهتمام الاقتصاديين منصباً على قضايا التنمية من منظور اقتصادي صرف، ؛ ولم يكن للبعد الإداري وقضاياها أي نصيب في تلك الاهتمامات ،وحتى عندما تحدث جوزيف شومبيتر (1950-1883)عن أهمية دور الرائد أو المنظم (Entrepreneur)،فقد تناوله باعتباره أحد مدخلات العملية الإنتاجية ،وكعنصر يتولى مهمة جمع عناصر الإنتاج الأخرى من قوى عاملة ومواد خام ورأسمال مع بعضها البعض
فقد أثبت التاريخ الاقتصادي أن هناك الكثير من الدول الغنية بالموارد الطبيعية، تعاني من حالة التخلف الاقتصادي بسبب سوء إدارتها لتلك الموارد؛ في مقابل ذلك هنالك دول أخرى فقيرة بالموارد الطبيعية، تتمتع بمستوياتٍ معيشةٍ أفضل لحسن إدارتها لتلك الموارد،أن هذا الوضع عزز القناعة بوجود حلقة مفقودة في قضية التنمية تساهم في عرقلة الجهود الهادفة الى تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي ،وقد دفعت هذه الملاحظات الباحثين الى الاهتمام بالعامل الجديد لعملية التنمية وهو العامل الإداري من أبرزهم كتّاب الثورة الإدارية المعاصرة في الولايات المتحدة الأمريكية،الذين تطرقوا الى أهمية دور الإدارة في عملية التحكم في الموارد المتاحة في المجتمع،وتقديم مستوى معيشي أفضل، وربطوا نجاحها بأداء هذا الدور بمجموعة من العوامل التنظيمية والإدارية المتعلقة بنظام السياسة العامة والبرامج الحكومية، كالاستقرار الإداري والكفاءة الإدارية والشفافية والجودة .كما برز نتيجة لتلك التطورات مفهوم التنمية الإدارية؛ باعتبارها"مجموعة الأنشطة الإدارية التي تحدث نوعاً من التطوير والتحديث للارتقاء بمستوى معيشة المواطنين "ومفهوم سياسات التنمية الإدارية باعتبارها "مجموعة البرامج والأهداف العامة الأساسية التي تصاحبها الأفعال التنفيذية التي تهدف إلى الارتقاء بمستوى معيشة السكان وإحداث التطوير والارتقاء في داخل المجتمع ".وبشكل عام يمكن تصنيف المجتمعات بحسب اهتمامها بالعامل الإداري لعملية التنمية الى المراحل الآتية : -
أ- مرحلة الوعي: في هذه المرحلة تدرك الدولة أهمية دور العامل الإداري فـي تنفيذ السياسات العامة
ب-مرحلة الاهتمام: في هذه المرحلة تسعى الدولة الى الاستفادة من العامل الإداري في تنفيذ برامج التنمية
ج- مرحلة التنفيذ: في هذه المرحلة تبدأ الدولة بوضع برامجها الخاصة بالتنمية الإدارية.
العامل الإداري و تقويم سياسات التنمية: ارتبط الاهتمام بتقويم الأداء التنفيذي للدولة بعدة عوامل أهمها:
1- تنامي الإنفاق العام وبخاصة إنفاق الجهاز الإداري الذي ترافق مع حالة التناقص النسبي في الموارد .
2-ضعف أداء الإدارة العامة وفشلها في أحيانٍ ومجالاتٍ كثيرة في تحقيق الأهداف العامـــة .
3- ارتفاع سقف التوقعات الاجتماعية من خدمات الإدارة العامة .
4-التحول في سياسة الدولة نحو القطاع الخاص من الاحتكار والإزاحة الى المنافسة والشراكة .
والتقويم الهيكلي هو من ابرز أنواع التقويم المستخدمة،ويهدف الى تشخيص مدى فاعلية الإدارة العامة في إنجاز الخطط والأهداف والارتقاء بالمستوى المعيشي للأفراد في داخل المجتمع مقارنة بموارد الدولة، كما يتناول دور التخطيط، ودرجة الاستقرار الإداري ،ودرجة الشفافية،والحكم الرشيد في إدارة الدولة.وصولا الى الكشف عن مدى انحراف الجهاز الإداري في تنفيذ الأهداف العامة ،وركز الباحثون في عملية التقويم على استخدام مجموعة من المعايير من أبرزها : مؤشر متوسط الدخل الفرد، مؤشر مستوى جودة الحياة في داخل المجتمع،مؤشرات الحكم الرشيد ولمؤشرات ذات الصلة بالأداء المؤسسي مثل:مؤشر فاعلية الإدارة الحكومية ، ومؤشر التنظيم والضبط ومؤشر مدركات الفساد،والمؤشرات الأخرى المتصلة بالاستقرار الإداري .
مبررات الاهتمام بالعامل الإداري في العراق: يمكن حصرها بما يأتي
1- الحاجة الى خلق جهاز إداري ذي كفاءة عالية:- أن ظروف الأزمات المستمرة التي تواجه المجتمع العراقي اليوم وما رافقها من اختناقات ومشاكل تتطلب وجود جهاز إداري يتمتع بكفاءة عالية قادر على مواجهة الأزمات في لحظة ظهورها وقبل استفحالها.فاستمرار عمل الجهاز الحالي غير مستقر وغير قادر على أداء مهامه ؛ سيحول تلك الأزمات الى مشاكل مستعصية،كما يدلل على ذلك واقع الخدمات العامة وفي مقدمتها الأمن والكهرباء والمياه والتعليم والصحة والمواصلات،فمعالجة أوضاع هذه الخدمات أصبحت في حكم المعجزة و كنتيجة لتراكمات العقود الماضية،أن الصعوبات التي يواجهها الجهاز الإداري في التعامل مع هذا الوضع أثبتت عدم فعاليته،ومما يزيد الأمور تفاقما هو تدهور الوضع الأمني الذي يساهم في تراكم تلك المشكلات وطول مدتها وصعوبة معالجتها بشكل تدريـجي مما ضاعف ولعدة مرات من التكلفة المالية المطلوبة لمعالجتها.
2- الحاجة الى دعم الإنجازات التي تحققت في المجالات السياسة، كإقرار الدستور والحكومة المنتخبة والانجازات في مجال رفع المستوى المعاشي للمواطنين والاهتمام برفع مستوى التعليمٍ والصحة وغيرها.عن طريق الاهتمام باعتبارات الكفاءة الإدارية للوزارات والأجهزة الحكومية،فإهمال هذا العامل و استمرار التركيز على الاعتبارات السياسية والطائفية وعدم وضوح سياسة الحكومة في هذا الجانب ، سيسهل من مهمة القوى المناهضة لعملية التغيير و سيجعل عملية الحفاظ على ما تحقق انجازات سياسية عملية محفوفة بالمخاطر .
3-لا يمكن دعم جهود الإصلاح السياسي للدولة، أو منعه من الانحراف عن مساره ، ما لم يكن الجهاز الإداري وسياسات التنمية الإدارية بشكل عام في المستوى المناسب لجهود الإصلاح.
4- الحاجة الى دعم الثقة بين المواطن والحكومة ؛ فليس هناك أسوأ من فقدان الثقة بين المواطن والحكومة ؛الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى خلق مجتمع مأزوم مهزومٍ من الداخل ، والى إجهاض أية محاولاتٍ للإصلاح على أي مستوىً كان .
أسباب الإخفاق الإداري العراق :
هناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى فشل برامج التنمية الإدارية في العراق، من أهمها
أ-الفشل في تحديد الأولويات بالشكل الصحيح : فلا تزال الأولوية في اختيار الوزراء وموظفي الدولة الكبار تتم على أساس الاعتبارات السياسية واعتبارات المحاصصة السياسية والموازنات الطائفية ،وعلى حساب التخصص الأكاديمي والكفاءة والنزاهة ، مما أدى الى تكوين كوادر وأطر إدارية عاجزة عن القيام بمهامها بالشكل الصحيح .
ب-غياب التدريب الفعّال للقيادات الإدارية التي تتولى مهمة تنفيذ برامج التنمية الاقتصادية والتنمية الإدارية سواء أكان ذلك من حيث الكم أو الكيف،فمن حيث الكم لا يزال عدد مؤسسات التدريب الإداري محدوداً بدرجة كبيرة ، ولذلك أسباب رئيسة ثلاثة:-
1- وقوع العبء الأكبر لبرامج التدريب الإداري على عاتق الدولة ، فمساهمة القطاع الخاص لا تزال محدودة بشكل كبير .
2-عـدم الانفتاح خلال العقود الماضية على مؤسسات التدريب الدولية .
3- ضعف الاهتمام بمؤسسة التدريب الإداري الرئيسية في العراق وهي معهد التدريب الإداري ، الذي يعتبر- من حيث إنشاؤه - من أوائل المؤسسات الرائدة في الوطن العربي .
ج-عدم استقرار الجهاز الإداري وتعرضه للكثير من التقلبات غير المدروسة وغير المبررة علي أسسٍ موضوعية تراعي مصلحة الجهاز الإداري،فكثيراً ما تلغى وزارات أو مؤسسات أو يعاد إنشاؤها ، دون أن يكون هناك سبب منطقي لذلك .
د-التغيرات السريعة السياسية التي شهدها العراق مؤخرا أفقدت الجهاز الإداري توازنه،وجعلته غير قادر على أنجاز أي تطور في المجال إداري،حيث الحكومة تلعب عادة ما يعرف بالأثر المغناطيسي؛ فينجذب الجهاز الإداري وراء سياساتها،حتى وإن كانت تلك السياسات غير صالحة من المنطلق إداري،ومن الطبيعي أن يؤدي هذا الوضع المربك إلى عدم التركيز على برامج التنمية الاقتصادية والتنمية الإدارية وبالتالي انخفاض كفاءة الأداء التنموي والإداري .

عوامل نجاح سياسات التنمية الإدارية في العراق :لتحقيق التنمية الإدارية في العراق نحتاج الى:
1- وجود رؤية إستراتيجية: تشمل على منظومة من الأهداف والغايات والرؤى الإدارية الإستراتيجية لمعالجة حالة التخلف الإداري؛ فعدم وجود هذه الرؤية سيدفع الى التركيز على المعالجات الآنية ،وعدم الإحاطة بأبعاد المشاكل الاقتصادية .
2- وجود الدافعية لدى المشاركين في تشريع وتنفيذ برامج التنمية ،وخاصة القياديين ،وهذه الدافعية تتطلب وجود قناعة وإيمان لدى المشتركين بالعملية السياسية بالعراق الجديد ،ليتمكنوا من دعم برامج الحكومة،والدفاع عنها و شرحها للآخرين وتطبيقها،وهذا الوضع –للأسف- غير متحقق لحد الآن لدى جزء مهم من المشاركين في العملية السياسية ، وساهم ذلك في تعثر العملية السياسية وتدهور الوضع الأمني فضلا عن توقف عملية التنمية وبطء عملية إعادة الأعمار
3-توفر عنصر الثقة بالنفس لدى هؤلاء المشاركين ، وبأنهم قادرون على تنفيذ ما يوكل إليهم من برامج ، ويلعب عنصرا الخبرة والتدريب المناسبين أساساً قوياً لبناء مثل هذه الثقة .
4- الرغبة والاستعداد في تحمل قدر من المخاطرة عند تخطيط و تنفيذ هذه البرامج ، فالركون إلى السكينة والدعة والإفراط في الحذر وعدم أخذ زمام المبادرة هي من أسوأ ما يمكن أن يتصف به القائمون على مثل هذه البرامج
5-المقدرة على اتخاذ القرارات في الوقت المناسب؛ فالقرار الصحيح – إضافة إلى أبعاده الموضوعية – له أيضا إطار زمني ينبغي أن يتخذ من خلاله ، وإلا فقد أهميته العملية .
6- توفر المهارات المناسبة والخاصة بالمستوى الإداري الذي يتطلبه تنفيذ برامج التنمية
7- توفر مهارات الاتصال مع الآخرين ؛ لكي تنجح برامج العامل الإداري لعملية التنمية، يجب أن تطبق كل التطورات في علم الإدارة من مهاراتٍ في مجال التسويق والتواصل مع الجهات والأفراد المستهدفين.وهذا الأمر يتطلب إخضاع الأفكار والخدمات العامة لمفاهيم التسويق التي نستخدم عادة في برامج تسويق السلع مع مراعاة الفروق النسبية في هذا الشأن.

الثابت والمتغير في علاقة روسيا بالمنطقة العربية

د.فلاح خلف الربيعي
نشأت العلاقة بين روسيا والعالم العربي ، قبل حوالي أحدى عشر قرناً،على يد المؤرخ والأديب والدبلوماسي العربي الشهير أحمد بن فضلان، الذي أرسل من دار الخلافة العباسية في بغداد في العام 921 م على رأس بعثة إلى روسيا ، ليعرفهم بآداب الإسلام وتعاملاته ويدرسهم اللغة العربية والأدب العربي.
طوال تلك الحقب التاريخية ظلت علاقة روسيا بالمنطقة العربية محكومة بعوامل ثابتة تقريبا ، فروسيا القيصرية كانت محكومة برؤية الكنيسة الأرثوذكسية إلى العالم العربي والإسلامي وبظروف المنافسة مع الدولة العثمانية ، أما روسيا السوفيتية فكانت محكومة برؤيتها العقائدية وبصراعها مع الغرب للهيمنة على تلك المنطقة.وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي تهيأت فرصة تاريخية لإجراء مراجعة شاملة لأسس تلك العلاقة وبخاصة بعد التغيير السياسي والاقتصادي الذي شهدته روسيا بعد تولي الرئيس بوتين ،الذي هيأ أرضية مناسبة لتغيير أسس تلك العلاقة ونقلها من الرغبة بالهيمنة و بسط النفوذ ، إلى أجواء التعاون على أساس المصالح المشتركة .
في هذه المقالة سنقف عند أهم الحقب التاريخية التي مرت بها روسيا لتشخيص العوامل الثابتة والمتغيرة في علاقتها بالمنطقة العربية.

الحقبة القيصرية
اقتصرت علاقة روسيا بالعالم العربي خلال العهد القيصري على محاولتها التوسع في المناطق الإسلامية المجاورة، التي تشكل المجال الحيوي والمحيط الجغرافي المباشر لروسيا ، فقد فرضت ظروف الجغرافيا وأحلام بناء الإمبراطورية ومناخ الحروب الذي هيمن على القرون الوسطى على الروس في تلك الحقبة الاهتمام بالعالم العربي والإسلامي ووضع المنطقة العربية في بؤرة سياستها الخارجية .
فبعد أن ظلت روسيا خاضعة لحكم المسلمين ، تم تحريرها في القرن الخامس عشر على يد إيفان الثالث الذي هزم التتار المسلمين وأعلن ظهور الإمبراطورية الروسية، ومع وصول حفيده أيفان الرابع – الملقب بإيفان الرهيب – إلى السلطة ، بدأت روسيا بالزحف على المناطق الإسلامية المجاورة وضمها بالتدرج لتكوين إمبراطوريتها ،ومنذ منتصف القرن السابع عشر ظهرت روسيا كدولة مؤثرة في السياسة الدولية ، بعد أن تمكن بطرس الأكبر (1682-1725 ) وهو المؤسس الحقيقي للإمبراطورية الروسية الحديثة ، من دمج روسيا بالحضارة الأوربية والنهوض بالصناعة والتعليم والجيش ، ثم واصلت الإمبراطورة كاترين الثانية (1762-1796 ) عمليات الإصلاح الداخلي والتوسع الخارجي وإرساء دعائم القوة الروسية ، حتى أصبحت روسيا في مطلع القرن التاسع عشر احد القوى الكبرى ، خاصة مع الضعف الذي أصاب منافسها التقليدي وهو الدولة العثمانية.

الحقبة السوفيتية
عند الانتقال إلى المرحلة السوفيتية، نجد أن اهتمام روسيا بالمنطقة العربية ، قد ازداد كثيرا ، خاصة خلال فترة الحرب الباردة بين القطبين الأمريكي والسوفيتي التي فرضت على موسكو تنشيط علاقتها مع الدول العربية ،لدخولها في منافسة شديدة مع واشنطن لتقاسم النفوذ في تلك المنطقة . فأثمر هذا التوجه عن علاقات كانت الأكثر دفئا بين روسيا وعدد غير قليل من الدول العربية، ربما على مدى تاريخ علاقة روسيا بالمنطقة
ففي منتصف الخمسينيات في القرن العشرين وتحديدا خلال فترة الحصار الأمريكي الغربي على مصر، ازدادت الروابط العربية الروسية وبخاصة المصرية السوفييتية ، ولم تقتصر تلك العلاقة على مصر، بل امتدت لسوريا والعراق وفلسطين وليبيا وأقطار الخليج العربي. وبقدر ما قدم السوفييت من مساعدات عسكرية وتصنيعية وزراعية وثقافية وإستراتيجية للعرب، بقدر ما أخذوا منهم ، فنهلوا من منبع هذه العلاقات نفوذا دوليا وتقدما تكنولوجيا، وكانت ساحات المعارك في البلاد العربية حقلا لتجاربهم في مجال تطوير معداتهم وأسلحتهم،كما انتفعوا من السواحل العربية على البحر الأبيض المتوسط وعلى الخليج وعلى البحر الأحمر ، وتمكنوا من كسر طوق العزلة المفروضة عليهم من الولايات المتحدة والغرب وبخاصة خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية .
ويمكن أن نجمل أهم العوامل المؤثرة في علاقة روسيا بالمنطقة العربية خلال المرحلة السوفيتية بالآتي :-
1-الجوار الجغرافي العربي لروسيا قد أضفى أهمية جغرافية سياسية وإستراتيجية للشواطئ العربية على البحر الأبيض المتوسط والخليج والبحر الأحمر.
2-انفتاح الأسواق العربية أمام السلاح والصناعات السوفييتية ، في مناخ الحروب العربية مع إسرائيل، وقد تعزز هذا الانفتاح بملائمة التكنولوجيا السوفييتية ورخصها أمام هذه الأسواق، التي كانت عطشى للتشبع بالتكنولوجيا السوفييتية .
3-حاجة الدول العربية المستقلة حديثا إلى سند ضد محاولات إرجاعها للهيمنة الاستعمارية الغربية من جديد، وتطابق معظم مواصفات هذه القوة المساندة على الاتحاد السوفييتي السابق.
4- التقارب العقائدي بين الأنظمة العربية في كل من مصر والعراق وسوريا وليبيا والجزائر واليمن الجنوبي السابق والنظام السوفيتي ، خلال عقود الستينات والسبعينات من القرن العشرين ، فقد تبنت هذه الأنظمة مجموعة من الأفكار والعقائد الاشتراكية التي تلتقي في مضمونها مع العقيدة الماركسية –اللينينية التي يتبناها النظام السوفيتي، فضلا عن التقاءها مع التوجهات السوفيتية في مسالة العداء للولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموما ، وقد توج هذا التقارب بإقامة معاهدات صداقة وتعاون اقتصادي وعسكري وأمني بين هذه المجموعة من الدول العربية والاتحاد السوفيتي السابق .
5- الموقف السوفيتي الداعم للعرب خلال حروبهم مع إسرائيل في عامي 1967 و1973 وتأييده الدائم للحق العربي في فلسطين، كما أتسم الموقف السوفيتي في مجلس الأمن بقدر كبير من التوازن وعدم التحيز الواضح لأحد الطرفين مقارنة بالموقف الأمريكي .
الوضع الراهن للعلاقات العربية الروسية
مع نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي، دخلت السياسة الروسية في مرحلة جديدة أخذت ملامحها تتشكل مع تولي الرئيس فلاديمير بوتين السلطة في مارس 2000، فشهدت التوجهات الأساسية للقيادة الروسية تجاه العالم العربي والإسلامي عموما تفعيلا واضحا، بعد الجمود الذي أصاب السياسة الروسية بصفة عامة وتجاه العالم العربي بخاصة في أواخر عهد الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين، فوجدت الدول العربية نفسها أمام طراز جديد من التعامل يميل نحو إقامة علاقات تعاونية تخدم مصالح الطرفين .
ويمكن ربط التحركات الجديدة للسياسة الخارجية الروسية تجاه العالم العربي بمجموعة من العوامل أهمها :-
1-اختفاء أو تقلص الإرادة السياسة المبنية على العقائد السياسية الاشتراكية في كل من روسيا والأنظمة العربية الحالية،فأصبح تأثير هذا العامل ضعيفا على التوجهات السياسية الخارجية لدى الطرفين .
2- تسارع خطى العولمة و تعثر وانحسار آليات النمو المستقل على الجانبين الروسي والعربي، أدى إلى ضمور واختفاء عوامل النزوع نحو تحقيق التنمية المستقلة والتوجه نحو الاندماج مع ا لاقتصاد العالمي .
3- سعي روسيا نحو تفعيل دورها كقوة عظمى، وإن كان على نحو متدرج وبثقة كبيرة، قد فرض عليها العمل على إظهار ثقلها على المسرح الدولي، وبخاصة في أعقاب التطورات التي رافقت الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003 .
4- التخوف من انتقال التدهور في الوضع الأمني في المنطقة العربة إلى منطقة القوقاز وآسيا الوسطى، وربما إلى روسيا نفسها.
5- ينطلق التركيز الروسي على المنطقة العربية من فهم موضوعي قوامه أن السيطرة الأمريكية الحالية على المنطقة انطلاقاً من كابول إلى العراق ستمتد لاحقاً إلى طهران ثم إلى باقي الخليج العربي والبحر المتوسط وستصل إلى مناطق بحر قزوين ثم إلى روسيا ذاتها
6- البحث عن بدائل عن الاستثمارات والمساعدات الأمريكية والغربية لروسيا ، ومحاولة فتح أسواق جديدة تساعدها على تجاوز أزماتها الاقتصادية.
لذا فأي عملية تقييم للعلاقات الروسية العربية يجب أن تراعي المسائل الآتية :-
· رؤية قيادات الكرملين للعلاقات مع العرب؟ وما يرتبط بها من قضايا في مقدمتها حجم النفوذ اليهودي داخل روسيا، و تأثيره على عملية صنع القرار في روسيا.
· الضعف في مكانة الدول العربية في أولويات القيادة الروسية الذي ارتبط بضعف استجابة الأنظمة العربية للمصالح الروسية في المنطقة، وعدم اهتمام هذه الأنظمة بموضوع ربط روسيا بشبكة مصالح ذات تأثير على توجهات القيادة الروسية لتفعيل دورها في المنطقة ، فضلا عن ضعف الاستثمارات والمبادلات التجارية العربية مع روسيا ،كما أن صادرات روسيا من الأسلحة للدول العربية لا تزال عند أدنى مستوى لها مقارنة بالطموح الروسي ،ورغبة القيادة الروسية في التعاون واستعدادها لتصدير أسلحة متقدمة تكنولوجيا ، ترفض الولايات المتحدة تصديرها لاعتبارات تتعلق بتوازن القوى في المنطقة.
· هيمنة أمريكا على شئون الشرق الأوسط، و حرصها على التفرد بدور الوسيط في عملية التسوية السلمية في المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية .
· توسع النفوذ اليهودي داخل روسيا ، بعد أن تمكن اليهود الروس من إقامة إمبراطوريات إعلامية واقتصادية اكتسبت نفوذاً سياسياً واسعاً خلال فترة الرئيس الروسي السابق يلتسين بل إن نفوذهم قد أمتد إلى الكرملين ذاته وأصبح لهم تأثير قوى على عملية صنع القرار،واختيار المسئولين التنفيذيين في مختلف المواقع،رغم محاولات الرئيس بوتين ومنذ توليه السلطة تحجيم هذا النفوذ.
الخاتمة :- يمكن أن نستنج بناءا على كل ما تقدم :-
إن السياسة الروسية في المنطقة العربية تحكمها اليوم مجموعتان من المصالح،
أولاهما المصالح الاقتصادية :- وتتمثل بالطموح الروسي نحو استعادة مكانة الاتحاد السوفيتي السابق وإعادة الهيبة إلى الاقتصاد الروسي من خلال العمل على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة والحصول على المساعدات من مختلف دول العالم وفي مقدمتها الدول العربية الغنية ، فضلا عن تنشيط تجارة السلاح والصادرات الروسية من السلع والخدمات إلى دول المنطقة.
وثانيهما المصالح الأمنية التقليدية :- وتتمثل بالسعي نحو التخفيف من غلواء التوسع الأمريكي في المنطقة والعمل على تحقيق الاستقرار والحفاظ على التوازن الإقليمي .
أن هاتين المصلحتين تفسران رغبة روسيا القوية في بسط يد العون مع الدول العربية ، كما تلمس ذلك القادة العرب في زيارة الرئيس بوتين الأخيرة إلى السعودية وقطر والأردن. لكن على العرب فهم معطيات هذا التوجه، وأجراء عملية إعادة تقييم شاملة لإمكانيات روسيا الاقتصادية والسياسية والعسكرية لتقصي إمكانات الاستفادة منها، وجعلها أحد العناصر التي يمكن تساعد على تحقيق الاستقرار في المنطقة والنهوض بعملية التنمية في الدول العربية، لذا يجب أن يتجاوز التعاون المجال العسكري، ليمتد وبقوة إلى المجال الاقتصادي الصناعي والزراعي والنفطي، وبخاصة مع دول الخليج التي ينبغي عليها أن تدرك أهمية روسيا، بوصفها أكبر منتج للنفط خارج نطاق منظمة أوبك، وأكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم، فضلا عن تأثيرها الكبير في أسواق الطاقة العالمية.

حاجة العراق الى تطبيق نظام السوق الاجتماعي

د.فلاح خلف الربيعي
تهدف ستراتيجية التنمية الوطنية في العراق خلال الأمد البعيد إلى إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني على أساس آليات السوق على أن يتولى القطاع الخاص القيادة في تحقيق هذا الهدف.
غير أن تجربة السنوات القليلة الماضية قد أثبتت أن الاقتصاد العراقي يفتقر إلى الشروط الموضوعية الضرورية لتحقيق هذا الهدف ، نتيجة لدمار البنية الإنتاجية ، وخراب البنية التحتية، واستمرار تدهور الوضع الأمني والحاجة الى تدفقات مالية هائلة لإعادة الأعمار والتنمية ، وغياب الشروط الموضوعية لتحقيق حالة المنافسة الكاملة. والتفاوت الكبير بين إمكانات القطاعين العام والخاص، وغياب التوزيع العادل للدخل والثروة وعدم نضوج البنى الاقتصادية والاجتماعية وضآلة حجم القوى العاملة ، وضعف تنظيماتها النقابية .
أن هذه الظروف جعلت الدعوة الى التعجيل بعمليات الخصخصة وترك قوى السوق تعمل لوحدها تبدو دعوة غير موضوعية وغير عادلة .
فتخلي الدولة عن المساهمة في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية الأساسية وبخاصة الأنشطة الخدمية ذات الصلة المباشرة بحياة المواطنين، سيفضي الى احتكار هذه الأنشطة من قبل القطاع الخاص المحلي والأجنبي،و يمهد لخلق المزيد من الفوضى والتقلبات الاقتصادية وارتفاع معدلات التضخم والبطالة وتراجع النمو الاقتصادي .
في مثل هذه الظروف تزداد الحاجة الى خلق نوع من التوازن بين دور الحكومة وآليات السوق ، وفسح المجال أمام الحكومة للتدخل لمعالجة الآثار الناجمة عن الاختلالات الهيكلية والاجتماعية والسياسية.
وهنا تبرز الحاجة الى العمل بمفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي وهو مفهوم يقوم على الدمج بين مقومات نظام السوق ومقومات نظام الرعاية الاجتماعية.
بدأ تطبيق هذا المفهوم في أكثر الدول الأوربية الغربية تطورا وخصوصا الدول التي حكمتها الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية كبريطانيا والدول الاسكندينافية وألمانيا وإيطاليا وفرنسا
ويمثل نظام اقتصاد السوق الاجتماعي رداً وطنياً على نظام السوق الليبرالي المعولم الذي يعمل لصالح الربح على حساب الأجور. و يلبي هذا النظام طموح الناس في ظروف العولمة الرأسمالية باعتباره نظاما يلجم النزعات الجشعة في نظام السوق.
يسعى هذا النظام الى الاستفادة من مزايا آليات السوق مع التحكم الاقتصادي والاجتماعي وضبطها والحد من إضرار تقلبها ومعالجة تشوهاتها، و يهدف هذا النظام الى تحقيق التنمية الاقتصادية بالتلازم مع تخفيف الأعباء المعيشية على الفقراء كما يؤمن للفئات الاجتماعية الفقيرة الخدمات الأساسية وبخاصة الصحة والتعليم والسكن .
وتحقيق التنمية في ظل هذا النظام يتطلب إيجاد التوليفة المناسبة التي تحقق التفاعل والتكامل بين دور الدولة ودور قوى السوق، بالتوصل إلى الصيغة التي تكفل تحقيق التناغم بين منهج التخطيط وآليات السوق. فكما تؤدي آليات السوق وظيفة توجيه رسائل إلى القوى الفاعلة في السوق لترشيد قراراتها الاقتصادية المتعلقة بالإنتاج والاستهلاك، ، يقوم التخطيط بتزويد أصحاب القرار بخريطة للواقع الراهن المحلي والدولي وبأفق مستقبلي وببوصلة دقيقة يسترشدون بها للوصول إلى المستقبل المرغوب وعليه فإن نظام اقتصاد السوق الاجتماعي لا يترك إدارة النشاط الاقتصادي، للقطاع الخاص، وإنما هو نظام متكامل بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ويفترض توفر وتدفق المعلومات وحرية وشفافية تداولها عن المكونات المتكاملة للنظام الاجتماعي القائم على حرية التملك، وحرية التنظيم السياسي، والمهني والنقابي، وحرية الإضراب عن العمل، وحرية الفكر والتعبير والنشر والمساءلة، وحماية المستهلك من حيث جودة السلع والخدمات وأسعارها، والدفاع عن نظافة البيئة وسلامتها. ويقتضي هذا النظام الفصل بين السلطات السياسية التنفيذية، والتشريعية والقضائية، والإعلامية المسموعة والمقروءة والمرئية، واحترام الرأي العام وإتاحة المناخ الملائم لمؤسسات المجتمع المدني للتعبير عنه بحرية.
وفي واقع الاقتصاد العراقي الريعي ، حيث كلما تقلص ريع النفط باعتباره المورد الأساس لموازنة الدولة ، يزداد العجز، وترتفع نسبة الديون وعبء خدمتها ، وتختل أسس عدالة التوزيع، أكثر مما كانت عليه، وتزداد العقبات المعيقة للتنمية،لذا من الطبيعي أن يعجز نظام السوق بمفرده عن إيجاد الحلول الملائمة،من منظور الصالح العام للسكان. وهذا يقتضي تدخل الدولة الوطنية المعبرة عن وحدة المصالح النسبية لغالبية السكان، كما هو مفترض في نظام السوق، وترشيده بالتخطيط المرن لتوجيهي.

ظاهرة التكتلات الاقتصادية بين الدول المتقدمة والنامية

ظاهرة التكتلات الاقتصادية بين الدول المتقدمة والنامية

د.فلاح خلف الربيعي
أن ظاهرة التكتلات الاقتصادية ليست ظاهرة حديثة، بل تعود إلى بداية القرن العشرين وبالتحديد بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أن الجديد هو ظاهرة التنامي وسرعة التوجه إلى إنشاءها أو الدخول فيها ، التي برزت في العقد الأخير من القرن العشرين وخصوصا في الدول المتقدمة. مما جعلها سمة أساسية من سمات النظام الاقتصادي العالمي الجديد ، وأرتبط هذا التنامي بتسارع خطى العولمة، وما رافقها من عمليات اندماج تزامنت مع عمليات تحرير التجارة الدولية ،وتحرير حركة رؤوس الأموال عالمياً سواء عبر تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر أم عبر تدفقات رؤوس الأموال قصيرة الأجل.
وقد تعزز التوجه نحو التكتلات الاقتصادية بعد أن خضعت كل من الدول المتقدمة والنامية لشروط منظمة التجارة العالمية الخاصة بتحرير التجارة بعد إعلان المنظمة في العام1995 ، فضلا عن خضوع قسم كبير من الدول النامية لشروط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الخاصة بإعادة جدولة الديون وما ترتب عليها من التزام ببرامج الخصخصة والتكييف الهيكلي .ومهما تباينت الدوافع ، و إن بروز التكتلات بهذا الزخم على صعيد العلاقات الاقتصادية الدولية يؤكد على قوة العوامل التي دفعت إلى ظهورها. فهي جاءت كتجسيد للتحولات الهيكلية في البنيان الاقتصادي الدولي ، وما ترتب عليها من إعادة توزيع الأدوار والمواقع النسبية للمشاركين فيه. كما إنها غطت أهم المشاركين في الاقتصاد الدولي، بل تعدت ذلك لتشمل معظم الدول النامية مما جعلها ظاهرة دولية في أبعد حدودها. فضلا عن كونها ظاهرة اقتصادية في منطقها سياسية وإستراتيجية في ترابط واتصال حلقاتها.
ويبدو المشهد الاقتصادي العالمي اليوم أكثر ديناميكية في ظل التكتلات الجديدة ، بعد أن ضم أنماطاً ودرجات مختلفة من التكتلات الاقتصادية، على رأسها الاتحاد الأوربي الذي يشكل نموذجاً متطوراً للتكتل الاقتصادي وتوجهاً نحو الوحدة السياسية، يليه التكتل الاقتصادي لأمريكا الشمالية ورابطة الآسيان مرورا بالحلف التجاري لأمريكا اللاتينية الذي يمثل درجة متوسطة من التكتل التجاري والمالي وانتهاء بمنطقة التجارة الحرة العربية التي تأتي في أدنى درجات التعاون الاقتصادي. أن هذه التطورات حملت الكثير من المخاطر والمخاوف للدول التي ما زالت تعمل بشكل منفرد ، بعد أن أصبح من شبه المستحيل على أية دولة تحقيق متطلباتها التنموية بجهد منفرد . في هذا المقال سنركز على مناقشة مفهوم التكتل الاقتصادي، ثم نحدد مقوماته وأهدافه ، ثم نلقي الضوء بإيجاز على أهم تلك التكتلات الاقتصادية بين الدول المتقدمة والنامية .
أولا :-مفهوم التكتل الاقتصادي :-
يشير مفهوم التكتل الاقتصادي الى مجموعة الترتيبات التي تمت بين مجموعة من الدول الهادفة الى تحرير التبادل التجاري فيما بينها وتنسيق سياساتها المالية والنقدية،وتحقيق نوع من الحماية لمنتجاتها الوطنية تجاه العالم الخارجي، بفرض تعريفة موحدة والتفاوض كعضو واحد على الاتفاقيات التجارية العالمية، من اجل تخفيض تكلفة التنمية عبر تخفيض تكاليف الاستيراد وتحقيق الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة ،وتحسين المناخ الاستثماري بتوسيع دائرة السوق وتوحيد أو تقارب الرسوم والحوافز الخاصة بالاستثمار.وتنسيق السياسات الاقتصادية المختلفة، والمساعدة على مواجهة المشكلات والأزمات الاقتصادية. وهناك درجات من التكتل الاقتصادي، تبدأ بالتدرج من رفع الحواجز الجمركية وغير الجمركية أمام السلع الوطنية للدول الأعضاء، أو ما يعرف بمنطقة التجارة الحرة. ثم الانتقال الى مرحلة الاتحاد الجمركي عندما تتفق الدول الأعضاء على وضع تعريفة موحدة على استيراداتها من الدول خارج التكتل ،والمرحلة اللاحقة هي السوق المشتركة التي يتم فيها تحرير تدفق رؤوس الأموال واليد العاملة فيما بين الدول الأعضاء،تليها الوحدة الاقتصادية التي يتم فيها تنسيق السياسات المالية النقدية وتوحيد كامل السياسات بما في ذلك العملة النقدية والسلطة النقدية ، أخيراً تأتي مرحلة الاندماج الاقتصادي الكامل ، و كل مرحلة من هذه المراحل تتطلب تخطي المرحلة التي كانت قبلها.
ثانيا:-مقومات التكتل الاقتصادي:-
يستند التكتل الاقتصادي على مجموعة من المقومات الاقتصادية والسياسية والثقافية، التي تعززه وتضمن استمراره، ومن الناحية السياسية فأن ضعف مستوى التقارب بين توجهات الأنظمة السياسية كان هو العائق الأهم في وجه معظم تجارب التكتل في الدول النامية وبخاصة في العالم العربي.كما شكل ضعف التقارب الاجتماعي والثقافي سببا في إعاقة تجارب أخرى ، ورغم أن المقومات السياسية والثقافية ضرورية لنجاح التكتل،إلا أنها ليست كافية لوحدها ،حيث تعد المقومات الاقتصادية هي الشرط الكافي،وخير مثال هي تجربة الاتحاد الأوروبي ، فقد وصلت أوروبا إلى درجة كبيرة من التوافق والى مراحل متقدمة من التكتل الاقتصادي رغم الحروب والفوارق والاجتماعية والثقافية الكبيرة بين شعوبها ، بعد أن رجحت كفة بناء المستقبل على كفة أحقاد الماضي، لتبرهن على الدور الفعال للمصالح المشتركة وأهميتها إلى جانب المقومات الاقتصادية في نجاح أي مشروع تكاملي جاد.
و يمكن إيجاز أهم المقومات الاقتصادية بما يأتي :-
1- الموارد الطبيعية والقوى العاملة :- فالتفاوت في التوزيع النسبي لهذين الموردين سيحفز الدول التي تتميز بوجود ندرة نسبية في أحد هذين الموردين أو كليهما للدخول في تكتل مع الدول التي تمتلك وفرة نسبية في أحد هذين الموردين أو كليهما، وعند قيام التكتل فإنه سيسمح بتوسيع الإنتاج من السلع والخدمات ويؤدي إلى تطوير النشاط الاقتصادي عموما،وفقاً لمبدأ التخصص وتقسيم العمل الذي يسمح بوفورات الإنتاج والحجم الكبير على أساس الميزات النسبية التي تتمتع بها كل دولة من الدول المتكاملة.
2- البنية الأساسية:- تظل المكاسب المتحققة من الانضمام الى التكتل محدودة في حالة افتقار دول التكتل إلى بنية أساسية متطورة ،وهذا بدوره سيحد من المزايا المتوقعة من تحقيق التخصص وتقسيم العمل.
ثالثا :-أهداف التكتل الاقتصادي :- تبين مما سبق أن التكتل الاقتصادي هو عملية سياسية وثقافية واقتصادية مستمرة باتجاه إقامة علاقات اندماجية متكافئة وتحقيق عوائد مشتركة من خلال الاستغلال المشترك لإمكانيات وموارد الأطراف المساهمة بغية خلق مزيد من التداخل بين هياكلها الاقتصادية وصولا إلى الوحدة الاقتصادية وتكوين كيان اقتصادي واحد يسعى إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الاقتصادية أهمها :-
1. الحصول على مزايا الإنتاج الكبير:- بتوسيع حجم السوق وتوجيه الاستثمارات توجيها اقتصاديا سليما، والعمل على إزالة العوائق التي تحول دون تحقيق هذا الهدف.
2. تقسيم العمل التكنيكي والوظيفي :للاستفادة من المهارات والأيدي العاملة بصورة أفضل وعلى نطاق واسع.
3. تسهيل التنمية الاقتصادية: من خلال خلق فرص جديدة تنهض بالإنتاج والاستثمار والدخل والتشغيل.
4. رفع مستوى الرفاهية:- من خلال تمكين المستهلكين من الحصول على السلع بأقل الأسعار الممكنة.
5.تخفيض أثر الصدمات الخارجية:- من خلال زيادة مستوى التنويع الإنتاجي في الدول الأعضاء في التكتل.
رابعا :- التكتلات الاقتصادية في الدول المتقدمة :-
1.الاتحاد الأوروبي:- بدأ الإتحاد الأوربي كمنطقة تجارة حرة بموجب اتفاقية" روما" عام 1958ثم تدرج مستوى الاندماج وتعمق بشكل مستمر الى أن وصل عدد الدول الأعضاء في إلى الإتحاد الى 25 دولة بعد انضمام دول أوربا الشرقية،فأصبح من أكبر التكتلات الاقتصادية في العالم وأكثرها اكتمالا من حيث البني والهياكل التكاملية، ومن حيث الاستمرار في المسيرة التكاملية.ومن حيث الإمكانيات فإن هذا التكتل يهيمن تجاريا على أكثر من ثلث التجارة العالمية،.ويحصل على أكبر دخل قومي في العالم، كما يعتبر أضخم سوق اقتصادي داخلي حيث بلغ عدد سكانه أكثر من 380 مليون نسمة وبمتوسطات دخل فردي مرتفعة نسبيا. ويلاحظ أن التكتل الاقتصادي الأوروبي يتخذ استراتيجية هجومية تجاه الاقتصاد العالمي ويسعى بكل قوة إلى أن يكون على رأس الشكل الهرمي للنظام الاقتصادي العالمي الجديد في القرن الحادي والعشرين، ويمكن أن نلتمس ذلك بجلاء من خلال تفحص أهداف هذا التكتل التي وإن كانت تركز على تقوية الهياكل والبنى الاقتصادية للاتحاد ،إلا أنها تنص بشكل واضح على سعي الاتحاد إلى دخول القرن الحادي والعشرين بصورة تسمح له بأن يلعب دوراً أكثر فاعلية في كافة المجالات الاقتصادية بل وحتى السياسية. وهذا ما يدعم فرضية الترابط بين ظاهرة تنامي التكتلات الاقتصادية وما يشهده العالم من عولمة اقتصادية على جميع الأصعدة.
2. التكتل الاقتصادي لأمريكا الشمالية(NAFTA) :- أنشئ هذا التكتل في نهاية العام 1993 ،ويضم كلا من الولايات المتحدة وكندا والمكسيك ، وبالرغم من كونه لا يضم إلا ثلاث دول كبيرة، فإنه مثل أكبر منطقة تجارة حرة في العالم تقريبا بحجم اقتصاد يقارب 7 تريليونات دولار عند النشأة، وعدد منتجين ومستهلكين يناهز 360 مليون نسمة، كما يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي 670 مليار دولار، وحجم التجارة الخارجية 1017 مليار دولار عام 1991، ناهيك عن الإمكانات التي تتمتع بها الولايات المتحدة الأمريكية من مستويات تكنولوجية وصناعات متقدمة وثروات طبيعية وقدرات مالية هائلة. وإذا تفحصنا أهداف هذا الاتحاد نجدها لا تختلف كثيراً عن أهداف الاتحاد الأوروبي، فهي بعد تحقيق اقتصاد قوي للدول الأعضاء تعطي كل أولوياتها لتعزيز القدرة التنافسية مع التكتلات الاقتصادية الأخرى الصاعدة على المستوى العالمي وبالخصوص الاتحاد الأوروبي.
3. التكتل الاقتصادي الآسيوي :- يمكن تمييز محورين في هذا التكتل الاقتصادي :-
الأول/ رابطة جنوب شرق آسيا المعروفة باسم الآسيان(ASEAN):- يتكون هذا التكتل من ست دول هي:تايلاند، سنغافورة، ماليزيا، بروناي، إندونيسيا، الفلبين. وقد أنشئ في العام 1967 وكان هدفه في البدء سياسياً يتلخص بإقامة حلف مضاد للشيوعية، وبعد الأضرار التي لحقت بدول التكتل جراء السياسات الحمائية المتبعة من قبل الولايات المتحدة وأوروبا تجاه صادرات تلك الدول، أخذت تهتم بالتعاون الاقتصادي وهكذا إنشئت تكتل (الآسيان) الذي أرسى خطوة هامة على طريق تأسيس جبهة منظمة مضادة للتكتلات الاقتصادية الأخرى ثم أخذ دوره يتزايد في التجارة الدولية باستمرار، فبعد أن كانت صادرات المجموعة لا تمثل سوى3%من إجمالي الصادرات العالمية، وحوالي 5. 11% من إجمالي صادرات الدول النامية ، وصلت هذه الصادرات إلى 5%من إجمالي الصادرات العالمية، وحوالي 18%من إجمالي صادرات الدول النامية.
الثاني / جماعة التعاون الاقتصادي لآسيا الباسيفيكية والمعروفة باسم (APEC):- تتكون هذه الجماعة من ثمانية عشر دولة على رأسها اليابان والصين واستراليا والولايات المتحدة وكندا والمكسيك ونيوزيلندة وكوريا الجنوبية، ودول رابطة الآسيان. وقد جاء إنشاء هذا التجمع الاقتصادي العملاق كرد فعل على إعلان قيام أوروبا الموحدة عام 1992.و يسيطر التجمع على حوالي 50% من الناتج القومي الإجمالي العالمي والتجارة العالمية.
خامسا- التكتلات الاقتصادية في الدول النامية:-
تتميز التكتلات الاقتصادية في الدول النامية بضعفها وحاجتها الى المزيد من العمل والتنسيق ومن أهمها :-
1. تجارب التكتل في أمريكا اللاتينية:- أنشئت هذه الربطة في العام 1961، و تضم كل من الأرجنتين، البرازيل، المكسيك، شيلي، بيرو، أورغواي، باراغواي ، كولومبيا، والإكوادور ،فنزويلا، وبوليفيا ، وبذلك فهي تشمل كل قارة أمريكا اللاتينية الى جانب المكسيك.وأقتصر هذه الربطة على تحرير التجارة دون أن يمتد إلى تحقيق الاتحاد الجمركي أو السوق المشتركة، وتميزت بتواضع أهدافها و تباطؤها في الانجاز ، نتيجة التفاوت الكبير بين أعضائها، فالدول الثلاث الكبرى:الأرجنتين،والبرازيل، والمكسيك تمثل مساحتها وسكانها حوالي70 % من الدول الأعضاء في الرابطة ،وهذا التفاوت الكبير في الإمكانيات كان السبب الرئيسي في فشل هذا التجمع .
2. تجارب التكتل الإقليمي في آسيا:- في إطار المناطق التكاملية داخل آسيا ، يمكن التمييز بين منطقة جنوب شرق آسيا التي أقامت رابطة جنوب شرق آسيا "الآسيان"التي سبق الإشارة إليها ، أما في وسط آسيا فقامت منظمة التعاون الإقليمي للتنمية بين ثلاث دول آسيوية هي: إيران، باكستان، تركيا، في العام 1964 بعد استفادتها من مزايا التعاون الذي تحقق لها في إطار حلف بغداد، وتتميز دول هذا الإقليم بأنها متجاورة وبينها قدر من التوافق في النواحي السياسية والحضارية، وقد تجسد ذلك من خلال إبرام العديد من العقود والاتفاقيات بين الدول وإقامة المشاريع الاقتصادية المشتركة.غير أن قيام الثورة الإيرانية، ثم نشوب حرب العراقية -الإيرانية قد جمد أعمال المنظمة حتى العام 1985الذي توصلت فيه الدول الأعضاء الى اتفاقية تقضي بإعادة هيكلة المنظمة وإحيائها تحت اسم (منظمة التعاون لاقتصادي)،وشكلت معاهدة أزمير الأساس القانوني لهذه المنظمة، وأجريت عدة تعديلات على هذه المعاهدة في العام 1990 ، كما أضيفت لها بروتوكولات في 1991،وفي سنة 1992 انضمت سبع دول جديدة إلى الدول الثلاث المؤسسة ليصبح العدد عشر دول، وهذه الدول هي: أفغانستان، وست من دول آسيا الوسطى التي انفصلت عن الاتحاد السوفيتي وهي:أذربيجان، وأوزبكستان، وتركمستان، وطاجاكستان، وكازاخستان، وقيرقيزيا. ولا تختلف أهداف المنظمة الجديدة عن سابقتها وإن كانت منحت اهتماما جديدا للبعد الدولي، فتضمنت أهدافها السعي إلى الاندماج التدريجي في الاقتصاد العالمي، وهي نفسها الفكرة التي اتخذتها مختلف التكتلات الاقتصادية في شتى أنحاء العالم .
3- تجارب التكتل في الوطن العربي :-رغم توفر المقومات الاقتصادية والثقافية المطلوبة لقيام تكتل اقتصادي ناجح في الوطن العربي ،ألا أن غياب شرط التوافق السياسي بين الأنظمة العربية وحالة عدم الاستقرار السياسي في بعض الدول العربية وقفت حائلا دون نجاح معظم تجارب التكتل في الوطن العربي،باستثناء تجربة دول مجلس التعاون الخليجي التي بدأت بإنشاء منطقة التجارة الحرة في العام 1981 ، ثم انتقلت الى مرحلة الاتحاد الجمركي في العام 2003 ورغم التقدم النسبي في الترتيبات والإجراءات المتخذة،جاء التقرير الاقتصادي الخليجي 2005-2006 ليؤكد على ضعف مؤشرات التكامل التجاري وانخفاض مستوى التجارة البينية الخليجية، وضعف مجالات الاستفادة من ارتفاع عوائد الصادرات النفطية؛ نتيجة ارتفاع الطلب على السلع المستوردة وضعف مستوى التنويع الإنتاجي في دول المجلس ،جعلتها تتجه نحو الأسواق الخارجية ، وأدى ذلك الى تسرب جزء كبير من الأموال الخليجية الى الخارج، وهذا الأمر يفرض على دول المجلس بذل المزيد من الجهود لرفع مستوى التنويع الإنتاجي من السلع والخدمات التي تحظى فيها بميزة نسبية لزيادة مستوى التكامل الاقتصادي الخليجي.

الخاتمة :- بناء على كل ما تقدم، يبدو أن الأهداف المشتركة لجميع التكتلات الاقتصادية هي الحصول على مزايا اقتصادية أكبر مقارنة بما كانت تحصل عليه عندما كانت خارج التكتل. فضلا عن سعيها لحماية إنتاجها المحلي من المنافسة الأجنبية في ظل العولمة وفتح الأسواق، وعليه أصبحت مسالة الانضمام الى التكتلات الإقليمية أمراً حتمياً.فلم يعد هناك أي مجال للنجاح في تحقيق أهداف التنمية أو الدفاع عن المصالح الوطنية إذا بقي البلد منفرداً بعد أن أصبح شعار التعامل الاقتصادي الدولي هو" أن البقاء لمن هو أكثر كفاءة وقوة ومنافسة ".
في ظل هذه الظروف فأن الدول العربية مدعوة أكثر من أي وقت مضى الى بناء تكتل اقتصادي يضاهي التكتلات المتطورة، لتستفيد من إمكانياتها الاقتصادية الهائلة.ولكي يكون هناك أمل في أمكانية تحقيق هذا الهدف ، فإن الأمر يستدعي العمل بجدية أكثر من أجل، الارتقاء بنظم الحكم في الدول العربية ، والاهتمام بالتنمية البشرية ورفع مستوى المهارات، وزيادة تنافسية الصادرات وتنويع الهياكل الإنتاجية، وحل مشاكل المديونية،واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتحسين مناخ الاستثمار.